|
قد كان فيمن قبلنا عُصبةٌ |
انطلقوا يسعوْن في الأمصارْ |
و بينما يمشون جَنَّ الدُّجــى |
وانهمرت عليهمُ الأمطارْ |
ِالْتمَسُوا مأوًى لهم مُنْجدًا |
فأسرعوا ينحُون صوبَ الغارْ |
وكان هذا الغارُ فيما مضى |
أنقذَ أهلَ الكهفِ من أشرارْ |
وقد هوت ببابه صخــرةٌ |
رهيبةٌ ، كالطودِ إذ ينهارْ |
فســــــدَّتِ الغارَ لها صــورةٌ |
تثير ألوانا من الأخطارْ |
فأبصروا نجاتهم و الـمُنـَــــــى |
في الصدق والإخلاص والأذكارْ |
قد لجؤوا لله يرجونه |
يدْعونه بصالحِ الأعمـــــــالْ |
فيدلفُ الأول في نفســـــــــه |
يدعو إله الكون في إقبـــــالْ |
يا ربِّ إني عائلٌ أسرةً |
وأبوين من أولي الأفضالْ |
و كنتُ لا أوثر أو أصطفــى |
عليهمــا أهـــــلا ولا أمـــــــوالْ |
و ذاتَ يومٍ غبتُ في رحْلـــةٍ |
و قدْ نأى بي طلبُ الأشجارْ |
فلم أرحْ إلا و قد أغمضَـــا |
جفنيْهما في راحةٍ بالــــــــــــدَّارْ |
لبثتُ من خشية أن يصحيــــا |
و القِدْحُ في كفِّى إلى الأسْحارْ |
و كنتُ لا أغبق أهْلي بـــــــه |
قبلهما ..و إن عوى الصِّغارْ |
حتى إذا ديكُ الصباح صحا |
و قد تحلَّى الكونُ بالأنــــــــوارْ |
تناولا مني الغبـــوق رضــــــــا |
أدعوك يا من تعلم الأســـــــرارْ |
إن كان ما قدمته خالصـــــا |
فنجنا من ظلمة الأســــــــــــــوارْ |
فانفرجتْ شيئا و لكنـــــها |
لما تزل تحبسهم في الغـــــــــــــــارْ |
و أقبل الآخر : أما أنـــــــا |
فكنتُ قد أحببتُ بنتَ العمّْ |
تعلق القلب بها عاشقـــا |
و مازجتْ قلبي امتزاجَ الـــــدمْ |
أردتها يوما على نفســها |
فامتنعتْ مني تخاف الإثــــــــــمْ |
حتى ألـمَّتْ ذات حين بها |
نازلةٌ قد أنــــــذرتْ بالهــــــــــمْ |
جاءت إلي الحزن يغـــــــــري بها |
مضطرةً ، مدفوعــةً كالسهمْ |
ساومتُها عن نفســــــــــها ظـالما |
لكنّها ترضى بهذا الظلـــــــمْ |
حتى إذا أصبحتُ منها قادرا |
صاحتْ صياحًا مُسْمعًا للصمّْ |
قالت : أيا ابن العمِّ لا تُخْــزني |
فقمتُ توًّا مشفقًا من عاري |
منحتها ما أمَّلـــــــتْ راغبــــــًـا |
أن يغفر الرحمن لي إصـــــــراري |
رباه إن قدمت هذا مخلصا |
فنجنا من حـــــــيرة الأفكـــــــــارِ |
فانفرجت شيئا و لكنهــــم |
ظلوا حيارى في ظلام الغـــــــارِ |
و أقبل الثالث : أما أنــــــا |
فكان لي حقلٌ عظيمٌ نضيــــــــرْ |
و كنت أستأجر في زرعه |
عمال خير .. ثم ولت شهـــــورْ |
وفيتهم جميعهم أجرهــــــــم |
بالخير و الإحسان إلا أجيــــــــــــــرْ |
مضى و خلى عندنا حــظَّهُ |
فكنتُ أرعــاه بلا تقصيــــــــــــــــرْ |
و جاءني بعد سنينٍ مضتْ |
يطلب ما خلَّف من نصيـــــــــبْ |
فقلت : خذْ كلَّ الذي تبتغي |
فقال : ما هذا الكلام العجيبْ |
و صاح هل تسخرُ بي هازئا |
فقلت : لا أسْخرُ يا حبيـــــــــبْ |
فاستاق ما خلَّف من مالِهِ |
و ما نما في حقْلنا الخصيـــــــــــبْ |
فإن أكنْ قدمتُّـهُ مـُخْلصـــًــــــا |
فنجِّنا من قسْوةِ الخطــــــــــــــــوبْ |
فانفرجتْ عنهم كما أمَّلوا |
و انطلقوا في العالم الرحيــــــــــبْ |