أولا: القصيدة:
تأملات شاردة في محراب سرادقٍ نبيل:
قراءة في "سرادق الموت"
لشاعرنا الفذ الأستاذ الدكتور محمد حسن السمان
=================
ثانيا : التأملات:
أخي وصديقي وأستاذي: العالم الناقد الشاعر:الدكتور محمد حسن السمان
تحية من أعماق القلب لشاعرٍ مبدعٍ ولقصيدة سامية
قصيدة مشهدية ، نجح الشاعر في توظيف أدواته لتجسيد مشهد السرادق بتمكن وصدق واقتدار
بدءا بالموسيقا الشعرية التي أسهمت في تشكيل المشهد حيث تجلت لحنا جنائزيا يوحي بالهيبة والجلال
ثم يبرز عنصر الزمن للدلالة على استمرار المأساة في المشهد فهو ليس مجرد سرادق لموتٍ تمَّ بل لجريمة مستمرة
مازال وجهك يابغداد يحزنني والعمر يمضي وقلبي دائم الحزن في الصبح اصحو على أنباء مجزرة في الليل امسي على أنباء مرتهن
عبر اختيار الفعل "مازال" والأفعال المضارعة "يحزنني "
و"أصحو" و"أمسي" لبيان مدى الإحساس يمعايشة الجريمة في الصبح وفي الليل .
ثم تنهض الأساليب النحوية المصورة للمشاعر برسم ظلال الإنسانية للمشهد بدءا من أسلوب النداء
أم الربيعين قد صار الربيع بها أشلاء طفل ومدفون بلا كفن
بما يمزج بين شعور الحب القديم المتجدد، وشعور الحزن القاسي الحالي وقد نجح هذا الأسلوب في إحداث مفارقة تصويرية بين الشعورين .
وكما نهض عنصر الزمان بدوره هاهو ينهض عنصر المكان عبر مستوياته الحقيقية والمجازية
عند التقاطع أطراف مقطّعة في القرب منها بقايا الجسم والبدن سرادق الموت والتقتيل قد نصبت عند المساجد , في الأحياء في المدن
فللمكان هنا حضور قوي في المشهد من خلال الظرف : "عند التقاطع"
أي تقاطع؟!
هل هو تقاطع الطرق والشوارع والميادين لامتداد رقعة المشهد ؟
أم تقاطع المصالح الضيقة؟
أم تقاطع المطامع الواسعة؟
هكذا يطلق شاعرنا المبدع كلمة التقاطع لتشمل كل هذه المستويات الدلالية والطبقات المعنوية وربما لما هو أكثر.
ثم يأتي التفصيل بتعدد الأمكنة "عند المساجد والأحياء والمدنِ" بكل ما توحي كلمة المساجد هنا من إدانة واستنكار ، فحتى المساجد لم تسلم من انتهاك حرمتها العظيمة.
وبعد أن يصور لنا الشاعر المشهد زمانا ومكانا يجيء دور الشخوص الذين يشتركون في الحدث رغم اختلاف المذاهب والمشارب:
والقاتلون صنوف في مشاربهم مابين مرتزق للقتل ممتهن أو طائفي مريض القلب تحكمه أضغانه السود , مازالت مع الزمن أو جاهل بأمور الدين مجترىء قد كفّر الناس من بغداد لليمن
ولا يكتفي شاعرنا برسمهم من الخارج بل هو يتعمق في تصوير مشاعرهم الداخلية بما يسيطر عليها من مرض وأضغان رابطا بينها وبين عنصر الزمن الذي طالعنا في مطلع القصيدة فهي أضغان مستمرة استمرار المشهد ذاته "مازالت مع الزمن"
ومرتبطة أيضا بعنصر لمكان الذي تمتد رقعته "من بغداد لليمن" في إشارة ذكية إلى أن مسرح الجريمة لم يقتصر على مكانها الأول !
وفي الختام يلجأ شاعرنا إلى الحكمة من خلال أساليب الشرط :
من كانت القبلة الغرّاء وجهته عند الصلاة , أخ في الشرع والسنن من يقتل النفس مقتول بفعلته لايغفر الـلـه ذنب القتل والفتن بالـلـه اسأل يا بغداد , أين همُ أين الذين همُ الفرسان في المحن من يحقنون دماء المسلمين , فما يسعون إلا لوجه الـلـه والوطن
ولكنها ليست حِكَمًا نظرية يلقيها علينا حكيم يسكن برجه العاجي إلقاء بل هي حكم ممتزجة بمشاعر التذكير بالأخوة والسعي لوجه الله والوطن ،
ولكنه لا يكتفي بهذه الإشارت رغم أهميتها بل يمزجها ببيت زاخر بمشاعر الأمل والألم والاستنهاض حيث يقول:
بالـلـه اسأل يا بغداد , أين همُ أين الذين همُ الفرسان في المحن
فلم يقنع الشاعر برسم مشهد السرادق لتلقي واجب العزاء ، بل نكتشف في النهاية أن السرادق هنا رغم نجاح الشاعر في تجسيده وعرضه أمام عيوننا وحفره في قلوبنا ، ما هو إلا خلفية لمشهدٍ آخر مازال شاعرنا الصادق يتأمله ويأمله. ويدعونا معه لمثل هذا التأمل، وذلك الأمل!
أخي وصديقي وأستاذي:
أرجو أن تتقبل هذه التأملات الشاردة في رحاب سرادقٍ نبيل جليل
ودمت لنا عالما جليلا ،
و إنسانا نبيلا ،
وشاعرا صادقا