حتى النقاط تحوَّلت عن مواضِعها.. وتحوَّل كلَ حرفٍ إلى حرفٍ تنقُصهُ نقطه.. رغم أسَاها..
رغمَ هواجسٍ كثَّة افترشت خواءً بين مفارقِ شَعرِها.. جذورُ بقشرةٍ بيضاءَ تمكثُ في
انتظار ِ قطرة ِماء .. تزيلُ دَرنَ سنوات جريحة.. تَصهلُ بطعنةِ حصانٍ مغدور،، يعالجُ
سكرةَ موته ..
فقراتُ عمودِها الفقريِّ تعِبت مِنَ الوقوف ..وهذا هوَ الطارئُ الجديدُ الذي سكنَ
حياتها يقطنُ
كُلََ محيطٍ حيِّ يسبحُ حولها .. ليسَ طارئاً إذن ,, فكرتِي أنا كانت هيَ الطارئة
وقفت عندَ بائعةِ القهوةِ.. تطلبُ كوباً ساخناً مِنها ..ولن تفلحَ حرارتُها في إذابةِ هذا الجليدِ
الذي تشكَّل في كيانِها .. أشارت لها أن لاقهوةَ اليوم ..اليوم ..يومُ آلة ِالقهوة .. اليوم وغداً
وكل الأيام غدت رديفةً لأعضاءٍ بشرية همَّشناها بإرادتنا
في كلِ يومٍ تجوبُ حنايا غرفةٍ من غرفِ الذاتِ الكبيرةِ المُضيعة ... تنهكُ قواها خوراً في
تنظيفها من غبارٍ تراكمَ ولاينتهي.. وليست بحاجةٍ لاستقدامِ خادمةٍ، تنفضُ غبارَ ضياعها في
خضمِ ذاتٍ تَستَفحِل بمرورِ الوقتِ
يرنُ جرسُ المنبهِ المزعجِ.. في حجرةٍ ازدحمت أغراضُها في كلِ مكان ..إلا هنا.. حيثُ
تدفقت عن أهدابِها أسفلَ الوسادة ..شلالات مرتفعة الأمواج.. تبللُ الوسادة وتوحي لرائِيها
أن نحيباُ
طالَ تمرسُهُ عليها
ولكن لافائدة ..هناكَ الكثيرُ ممن ينتظرون في الخارج.. يتكِئون بعكازٍ يخصُ.. قلباً معاقاُ
ليس بوسعِه مزاولةَ الحبِ وبذلهِ بعطاءٍ وسخاءٍ
حابرةُ سمائها وبلون الشمس غزلت فستانَ عيدٍ جديد ترتديهِ وتتثنَّى خيلاءً بهِ في وقتٍ
يعجزُ فيه الفرح أن يصور ذاته .. تقلب البهجة بين كفيها كخبز ساخن لذيذ تحاول تدفئته
ودأبت على ذلك منذ الصغر
ترسمُ للسعادةِ ألواناً أخرى غيرَ التي نعرف .. تبتكرُ على حسابِ قلبٍ يقفُ.. ماثلاً أمام
متجرٍ للشراء.. ينتظرُ دوره ..فيقفزُ ويخترقُ الصفوف ويمعنُ في غيابه بعد ظفره .
حبٌ أو كره.. اختزلتهُ لها صديقةُ دربٍ ستعودُ بعد أن انقضى الدرب.. ترضعُ من ضرع ِ
المحبة ِمالم تسمح لها الأيامُ برضعهِ من ثدي أمها ..لتتقوَّى بِهِ على هذةِ الدنيا .
أيُّ وفاءٍ هذا الذي تَحمِلهُ بينَ أحشائها ؟!! أيُّ طفلُ نقاءٍ ستنجِبهُ ؟ ! ويشهدُ الوطنُ عقيقةَ
عودَتهِ .. ميتٌ عاد بعدَ موتِهِ.. أيُّ وهم؟!ستنتظرهُ إذن.. حتى وإن قالوا لها أنه وهم لن تصدق
ولن يعدم الأملُ أبداً ما دامَ في الحياةِ حقٌ وقانون..
وبعدَ مدة .. ماذا حدث؟! .. هل أتت لتلقي بوجهِِها كومةً من أسمالِ الحماقاتِ لتجبِرَها على
غسلها وكيِّها وإعادةِ تنظيفها بمساحيقَ مغفرةٍ لاتقدر على منحها قط.
أتت لتدلها على درب آخر تبحثُ فيه عن صديقةٍ بسنامِ جملٍ قادر على تَحمُّل أمتعةِ الوفاءِ
التي خارت قواها منها.
مساءاتٌ موحشة تلك التي تتذكرُ فيها قصةَ جدبِها من كل عاطفةٍ مقفرة من نبضٍ جميل ..
أواصرُ المودةِ انقطعت.. وليسَ ثمَّة مبررٌ لانقطاعِها ،سوى أنَّ اقتحامَ طيفِ المسوخِ قد
حان وقته .. ليس عرضاً سينمائياً هذا هو الحقيقة.. طيفُ المسوخِ جاء.. فلنُغير وجوهنا
إذن .
اعتقدتها كبذرٍ فكت عُقدتهُ يوماً ..وبقيَ قِشره عالقاً بلا رغبة .. هكذا ظنَّتها وليست هي
بمثل ما ظنت .. ليست كما توقعتها أبداً
يكفي أن تُصَّدرَ إرهاصاتِ هذة الذكرى ما تحملُ في ذاكرتها من ألم .. تنتعش .. تسفسف ..
تضمخُ الحياةَ بجدٍ ثم بهزلٍ ثم بحزنٍ ورحيلٍ.. كهذا الذي أشكوه
بين صورةٍ عذبةٍ نديةٍ.. تنفثُ دخانَ الوفاءِ.. وتطفىءُ عكسه ..وبينَ صورةِ أقدامِ الغدرِ
الموحلة والتائهةِ في ميادينِ الكآبة ..بينَ صورةِ الحياةِ الجذلى بأنفٍ وغمَّازتين وثغرٍ مبتسم وبين
صورةٍ أخرى لبحرٍ ملوثٍ بنفطِ الخيانة اثر َ هذا الخطأ ,, مسافاتٌ شاسعةٌ .. شاسعةٌ..
بعيدةٌ وممتدة على امتداد الحياة
قررت وأخيراً وبمبيدِ الذكرياتِ.. إبادةِ كائناتِ الألمِ الماثلةِ أمامها..وعلى خارطةِ حلمٍ جديد
ستحتلُ فيهِ الصداقةُ ركناً زاوياً متناهياً في الضآلةِ .. رَسَمتهُ بفرجارِ ارثٍ محتاطٍ ولن
تعودَ لتثقَ بأحدٍ بعدَ اليوم.
ليتها كانت تعلم أن تلكَ الجراحِ التي شقَّت أخاديدُها في طوايا روحها لم تكن إلا فصلاً
واحداً من روايةٍ كتبت وطُبعت ووزِعَّت تحتَ أهدابِها الناعستين والمقفَلتين بمتاريسَ مهترئة
ستستيقظ وتغتسل ..حتماً ستغتسل ،بوهمِ الحقيقةِ.. ومرارةِ الرؤى..كرَّة.. بعد فرَّة .. بعد مرَّة
حتى يهترىءَ الرحيل .