المواطن (س )
حملته السيارات والحافلات والقطارات ووسائط النقل جميعها. سار في الأزقة كلها ، وقطع الشوارع جميعها ، وجلس على أرصفة الكون.
ما تبقى من حصى وبقايا أشياء ملتصقة باسفلت الشوارع ، حفرت في نعلي حذائه نقوشا متشابكة ، متداخلة ومتقاطعة .
يجلس فوق أحد الأرصفة النائية لا يظله سوى عمود يمتطيه مصباح مكسور. فكر في الأرض النقية الندية ، هناك ، عندما كانوا يقطعون شجرة لضرورة ما ، كان يكفي أن تتأمل مقطعها ، وتعد الدوائر ، التي حزت فيه لتعرف عمرها بدقة ودونما تعب.أما هنا ، وضحك ساخرا من نفسه ، وهو يخلع حذاءه . تأمل النعلين فوجدهما قد حملا تواقيع الشوارع ، وبصمات الأزقة ، وأنّات الأرصفة . لكن لم تشر هذه الأحافير إلى ما مر من زمن التشرد.
حمل النعلين بيد ، ووقف مستندا إلى الشبك المعدني المقام إلى جانب الجسر ، ودس يده الأخرى في جيبه عميقا ، فخرجت بورقة مطوية بعناية .
قرب الورقة إلى فمه وحاول إمساك طرفها بين شفتيه ، في محاولة لفض طياتها ، في اللحظة التي انقضت على كتفيه وذراعيه ما يشبه آلاف الأيدي والفوهات الباردة.
نظر في الوجوه الشاحبة ، والورقة ما يزال طرفها ملتصقا بشفته السفلى ، وقد أخذت تطير وجها وظهرا بفعل الأنفاس المختلطة.
اقتيد دون كلام . حاول أن يقول شيئا إلا أن الورقة منعته ، فقد طارت أطرافها الحرة إلى أعلى فأغلقت فمه وأنفه. فصمت. وحدها أذناه كانت تلتقطان ظلال كلمات باهتة ،( إرهاب، تيرروريست ، جسر ـ تفجير ) .
التصقت الضحكة الخرساء في حنجرته ، وهو يقعي في زنزانته . انتزع الورقة الملتصقة بشفته فانتزعت بدورها طبقة رقيقة من جلد الشفة وسال الدم ، فمسحه بالورقة التي اصطبغت فيها كل الكلمات بالأحمر القاني . عبارة واحدة هي رأس الصفحى بقيت واضحة : تصريح لم شمل !!
________________
حنان الأغا
5/ 5 2007
دمشق