سيرة كرسي الجدة
1
وما تلك بيمينك يا موسى؟ قال هي عصاي، أتوكّأ عليها، وأهشّ بها على غنمي، ولي فيها مآرب أخرى.
2
بعد ضياع كرسي الجدّة أراد كاتب القصّة أن يدون سيرته.
3
الكرسي خشبي وطيء، يضارع صناديق الخضروات،بطول ثلاثة أشبار (الطول المناسب لعرض إليتي الجدة) وعرض شبر، وارتفاع نصف شبر. وهو ثلاث
قطع: أبلكاش مسطّح بسمك خمسة سنتيمترات + قاعدتان كساقي سلحفاة الحفيدة، كلتاهما انتزعتا من أحد أعمدة سقف البيت القديم.
4
وظيفته الأساسية: لا شيء في حياة الجدة إلا ويكون للكرسيّ منه نصيب.
5
فهو يمتص شيئا من رطوبة المنزل الناتجة عن عمل المكيف الصحراوي طيلة الوقت، والصراصير تلجأ إليه في الظلال وفي الظلام، وتنزوي تحته بعض الفئران الغبية حين يدهمها ابن الجدة بعصاه، وكثيرا ما تتعثر به أقدام الأغراب الذين لا ينظرون إلى مواطئهم، أو يحاول أطفالهم أن يعبثوا به، وقد يقدم الأغبياء منهم على تجريب طعمه على حين غفلة من ذويهم، فيلعقونه بألسنتهم، ويكررون ذلك كلما واتتهم الفرصة؛ لأنهم يجدون فيه ملوحة تجتذبهم، وتسلّي الحفيدة نفسها بامتطائه حين تعود من المدرسة وقد ضربها ابن الجيران الشقيّ، أو تخفي تحته سلحفاتها وتضع عليه قماشاً أو منشفة لترعب به الأطفال عندما يزورن البيت، وقد تكافئها الجدة باللعب به إذا حفظت وردها من القرآن أو بدا عليها الحزن لأي من الأسباب، ويكتسب عامل المنزل بضعة ريالات شهريا من (العمة الكبيرة كما يسميها) بإظهاره العناية به وغسله في بعض الأحيان. كما يستريح عليه وفي أخشابه بضعة عشر مسماراً صدئا، ولا بدّ أن تجلس عليه صاحبته إذا أرادت قضاء حاجتها؛ لأنها لا تستطيع الصمود بمفاصلها الهشة على حفرته العربيّة، وتستعين به على صعود الدرجات الطويلة في البيوت التي تزورها، وتركزه أمامها سترةً للصلاة حين تكون في الفناء، وتريح عليه قدميها لتشعر بالتوازن أثناء جلوسها على مقعدها الجلدي، وتهدد به الأطفال المزعجين إذا تجاوزوا معها حدودهم، وتعلق عليه ساقها حين تتنمّل أو حين تحاول قصّ أظافر رجليها بنفسها، وتتخذه مخدّة قاسية لها حين تريد إشعار أهل البيت باكتئابها، ويمكنه أن يحمل رائحة عرقها فتتوهم زوجة ابنها (التي تعتقد أنها تتمنى وفاتها) أنها (في وقت واحد) موجودة في أكثر من مكان، وهو ذريعة لشتمها أيضا واتهامها بإخفائه إذا نسيت أن تتذكر في أي مكان تركته من المنزل، كما أنه وسيلة لإشعار ابنها بالذنب؛ لأنه كثيرا ما يفقد صبره فيعلّق عليه أو يسخر به، فتغضب وتبكي؛ ويلزمه بعد ذلك إرضاؤها بزيارة خارجية، يصطحب فيها كرسيها معها بالتأكيد، وعندئذ يكون من فوائده أن يتيح لها إظهار مهاراتها في الجدال وهي تقطع دونه ألسنة العجائز الحادة.
6
أسباب ضياع الكرسي:
الجدة: زوجة الابن أخفته (طبعا) لتغيظها، لكنها جادة فيما تقول هذه المرة.
الزوجة: الجدّة أخفته (عمدا) لكي تتسلى بتعذيبها كما تصنع كلما شعرت بالملل من عجزها السرمديّ.
الابن: ربما قذفه عامل المنزل مع النفاية في لحظة من لحظات شروده الذهني.
الحفيدة: مثل كل الأشياء التي تختفي: مات الكرسي.
اقتراح غبي من كاتب القصة: سئم الكرسي من سكوت أهل المنزل عن مواصلة ابن الجيران ضرب (صديقته)، فانتظر إلى أن أعتم الليل وسكنت الدنيا، واستنجد بالسلحفاة فاستجابت له، رفع لها ساقه إلى أن استوت تحته، وتسلقت به سلالم الدرج، وتهادت بثقله الهرم إلى حافة السطح، عندها ترجّل عنها بأناة وتركها تعاود مسيرتها الهابطة إلى مهجعها أسفل السلالم؛ تحامل الكرسيّ على تخشبه وأوجاعه ومعاناة عمره الطويل، وقفز إلى السطح الآخر، وأثناء لعب الولد الشقي رمى بنفسه تحته، وغرز في رجله أحد مساميره الصدئة، لعلّ ذلك يجعل الحفيدة تسلم من شرّه إلى حين.