خارج حدود الفرح
الزمان ..عمري الذي بدأ بلقياك ...والمكان ..روحي..التي تراكمت فيها أجمل ذكرياتي معك ....
أقفلت أجفاني كي أغوي عيني بالرقاد ،فوجدتني أتأرجح بحبال الفكر ..ووجدت طيفك يحاصرني من كل الأبعاد..ويضحك ؟!يضحك أنه حرمني لذة المنام .
يتردد من أعماقي صدى السؤال عن شوقي إليك بلا انتهاء...فيرجع الصدى ...أن ذاكرتي ذهبت إليك ولم تعد..
أعيش معك رغم المسافات المعبدة بظلمة السفر ،وأعلل النفس بقرب اللقاء ..يرقد الجسد بعد أن أنهكه الإنتظار ..وأسمع صوت الريح ..تعتريني رجفة لا أدري أهي البرد أم الخوف ،وأجفل من المكان أتحسس ما يدور خلف زجاج النافذة بعد أن تحركت أغصان الشجر توحي للخائف أن هناك من يهمهم بسلب النوم من أجفانه ..ومرة تراني أختلس النظر من ثقب الباب فتفتر عزيمتي عندما أوقن أن ما أسمعه مجرد حركة قطة تبحث عن مكان يحمل لها شيئا من الدفء .
الناس في بلدتي يأوون إلى بيوتهم مبكرين كما تعهد ..وأكاد أذكرك تقول "الناس هنا ينامون قبل الدجاج "..نعم ..الشارع أمام البيت خال إلا من بعض ضحكات الشباب الذين ربما لم تتسع لهم بيوتهم ...أو ربما صدور ذويهم ..
وفجأة تمر سيارة يثير صوتها الرعب في نفوس الغافلين منذ حين .
بيت الجيران معتم ولا تكاد تميز الجدار من النافذة ،لأن جارنا أطفأ الأنوار واكتفى ببعض النور المنبعث من أعمدة الشارع .
تتراقص الأشجار حول المنزل حتى يتهيأ لك أنها أشخاص باتوا يرقصون حتى بزوغ الفجر ..ولا تدري أيرقصون فرحا أم ألما من قسوة الريح .
أنا ساهرة أرقب كل هذا ..يتسلل الخوف إلى نفسي ...في وحدتي تحيط بي الوحشة من كل صوب، أستجدي عقارب الساعة المتشبثة بالحائط أن تحث الخطا ،وتسرع المسير ..وعند يأسي أكاد ألقي بها أرضا كي لا أسمع تكاتها تثير أعصابي .
وأستعيذ برب الناس من كل وسواس يطاردني ،وأهم بركعتين، وتلاوة بعض آيات الرحمن علي أجد للنوم سبيلا، فأسمع صوت الفجر يكبر خالق هذا الكون ومدبره ..أأدي صلاتي ،وأقبع في فراش غادره الدفء منذ حين ولا أدري كم غابت عني الحياة حين أحسست بابني يدس جسده بجانبي ،..وهكذا تمر أيامي ،تطاردني وأغالبها لتطوي عني صفحة من كتاب غيابك المحمل بالوجع .
أتدري كم مرة تأملت صورتك أحدثها لظني أنها تحدثني ..؟!كم مرة ذكرتك ..بل قل كم لحظة لم أذكرك فيها ..وكم مرة فارق طيفك خاطري ..كم حملتني أشواقي إليك ..وتمزقت أشرعتي دون الوصول إلى برك.
كم مرة خرق صدى صوتك جدار صمتي ..وبخر حر النوى شلال أدمعي .
ومرة حلمت بك توقظ صحوي كي أشاطرك رزق الفجر..وتاهت كلماتي في دعاء الوتر أأمنه خلفك، وأنت تطلب العلي القدير لنا الأمان في الدنيا والغفران في الآخرة ...هو ذات السحر لا يبارح كلماتك .
تلك أيامي تجرفها رياح البعد إلى اللاقرار..وتتناثر ذكريات الماضي على تلال السنين ،وتراها فقدت ذاك البريق ،ولم يبق لقلبي المعذب سوى الشحوب والدموع .
هذي سنون أراها ضائعة من سني عمري ،يسطرها التاريخ رغما عني ،ويدون لحظاتها في كراسة أيامي ،ويحفر على وجهي بصمات تثبت أن الأسى قابع على شواطئي ..يلد في كل لحظة نهرا من وهم .
أتدري ..؟حين يقترب موعد قدومك يصافح الرجاء قلبي ..وترف فراشاته تدندن بأغنية نسيتها عند حافة الذكرى ..
أترك لنفسي عنان الفرح ..فترتطم بأوجاع السفر من جديد ..وإلى أن يموت السفر ..تبقى أحلامي خارج حدود الفرح.