ثقافة التباغض
بقلم خليل حلاوجي
مرض الامة الاسلامية اليوم هو مرض اجتماعي .. فقد شاعت البغضاء بين الرفقاء
إنه المرض العضال الذي بدأ يوما في لبنان ولازال قائما في العراق وانتهى الآن إلى فلسطين ، حيث فتح وحماس تقتتلان اليوم بكل حماس.وحيث تقسم فلسطين قبل تحريرها .
هذه حقيقة موجعة نراها بأعيننا من دون تجمل أو تزيين
لقد فشلنا في تعلم دروس سيدنا آدم حين اعترف بخطأه {قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ }الأعراف23وصرنا نقلد ابليس الذي قذف الكرة الى ملعب غيره فصاح { قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ }الأعراف12
وإبليس هذا أعلن بصفاقة موجها اتهامه لرب العالمين"قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم"16 :7
نعم نسينا ان نقاوم العدو الظالم الصهيوني والغاصب الأمريكي وصارت بنادقنا موجهة من حماسنا الى فتحنا ومن اهل سنة الرسول الى اهل شيعته
نحن في هذه المعركة نلعب دور الضحية ودور البطل ولا نزال نشير بأصابع الاتهام لمن حولنا وأن هنالك من يسعى لجرنا للنراع والصراع
ولا يبدو أننا قادرين على مجابهة علننا ومصارحة انفسنا بحقيقة مرضنا
يقول مالك بن نبي المفكر الجزائري إنه بقدر حديثنا عن مشاكلنا الداخلية بقدر الاطمئنان أننا نعمل في المكان الصحيح ،وبقدر حديثنا عن الصهيونية والماسونية وماتشابه من عناصر خارجية فإننا نبتعد عن مكان الخلل .
وبالعودة الى جذر المشكلة وهي ثقافى التباغض اقول ما أكثر العبر وما أقل الاعتبار :" قال الله عز وجل وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم ولا تخرجون أنفسكم من دياركم ثم أقررتم وأنتم تشهدون ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان وإن يأتوكم أسارى تفادوهم وهو محرم عليكم إخراجهم أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة فلا يخفف عنهم العذاب ولاهم ينصرون(2:85)
أسأل هنا سؤالا ً طالما أرقني :لماذا نجح الانبياء في التخلص من البغضاء التي تسكن قلوب البشر حتى ان الرسول عامل مخالفيه بخلقه هو ولم يعاملهم بخلقهم هم فقال لهم لحظة ان مكنه الله تعالى منهم ( إذهبوا وانتم الطلقاء ) وللجواب أقول :الانبياء لم يصرحوا بكل افكارهم لقومهم .... دفعة واحدة ، لعلمهم ان لهم متربصين من المجرمين ..قال الله عز وجل {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ }الأنعام112.
ثم ان الرسول الرحيم محمد عليه الصلاة والسلام صارح أمنا عائشة بعد أن استقرت دولة الاسلام إنه يريد أن يهدم الكعبة ويعيد بناءها على قواعد سيدنا ابراهيم ، أتدري بم علل تغاضيه عن هذه الفكرة : قال لها : (( ان قومك ِ حديثوا عهد بالجاهلية ))
إذن : لدينا الكثير من الاسباب تدعونا نـُقر بفكرة ما فنصرح بها ثم نواجه بغضب من الاحبة .... فنحترم مشاعرهم ، وهذا ليس انتقاصا ً بجلال الفكرة بل انه من مكارم الخلق
ويعجبني وانا اتذكرشيخنا العالم الرباني المصري محمد ابو زهرة الذي جلس عشرون عاما ً وهو يخاف ان يصرح بفكرة كان مقتنعا ً بها ، وبعد العشرون صارح بها خاصته من مفكري الامة ...
لاحظ كيف تذبح وقد تدفن الافكار!!
فلاشيء أبغض على النفس من الانتقاد، ولا تسكر النفس بخمر كالثناء وهكذا فوحدهم الانبياء استطاعوا ان يوظفوا نقد الآخرين لخطابهم لصالح رسالتهم السماوية بل ووظفوا بغض الآخرين لهم
فالإنسان ينمو بالنقد لأنه يفتح عينيه على أخطائه وعوراته ومعلوم أننا البشر غير كاملين فعلينا الاستفادة من ملاحظات من حولنا .
عليناأن نشكر من ينتقدنا ، لأنه يضع مرآة على كل فكرنا تبعا ً لما فهمه هو من فكرنا
قد نواجه من يمتهن النقد فقط للنقد من الحاسدين فهو يسعى لتحطيم هممنا التي نبغي بها ازاحة همومنا
وفي جو الصراع الإنساني قد يصاب الإنسان بالإحباط فعليه ان يفرق بين ناصح لنا وحاسد .
ونحن لسنا محصنين ضد الخطأ ولا فوق النقد.
لكن أعظم العدل أن يقوم الناس بالقسط.كما نص على ذلك قرآننا المجيد وأمة تكيد بعضها لبعض وتغدر ببعض تذهب ريحها وتفشل. هكذا علمنا القرآن .
ولن تقوم قائمة لقوم تباغض أهله وتحاسدوا وتدابروا وكان بأسهم بينهم شديد هكذا علمنا الرسول عليه الصلاة والسلام
ورحم الله امرأً أهدى إليَّ عيوبي قالها بن الخطاب رضي الله عنه ، وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا قالها القرآن المجيد، ويجب ألا توقظنا الكوارث لنصحو ثائرين في لحظة يأس وغضب ، بل النصيحة العربية القديمة "درهم وقاية خير من قنطار علاج".