لازلت أتذكر اليوم الذي أثناني فيه مشرفي –حفظه الله تعالى-على رسالة الماجستير عن ذكر أهم صعوبة واجهتني أثناء البحث وهي سوء تحقيق بعض المحققين لأهم المصادر البلاغية في تراثنا العربي كخزانة الأدب لابن حجة الحموي والعمدة لابن رشيق والبديع لابن المعتز وغيرها من المصادر الهامة........
لايمكن لأحد أن يتصور مقدار الخيبة والحنق في نفس الوقت اللذان تنتابان أي باحث جاد وهو يبحث عن مصدر رئيس ويضنيه البحث ويتكبد مشاقه ثم لايجده حتى إذا ما وجده بعد جهد جهيد وجده لمحقق واحد فقط هو الذي تولاه وحده فإذا به تحقيق من غير تحقيق ولا توضيح ولا تعليق ولا تصحيح !!
ففي أي شيء أتعب ذلك المحقق نفسه ؟
بل في أي شيء أعمل ذلك المحقق عقله ؟
أفي تخريج الآيات فقط ؟
أم في توضيح بعض المفردات؟
أم في نسبة بعض الأبيات- بل حتى ليس كلها- إلى أصحابها؟
أم في إثقال الحواشي بذكر أن هذا المقطع أو ذاك من النسخة الفلانية أوالعلانية .. وانه وجدها هكذا
أم لم يجدها أصلا..........الخ هذا الكلام الذي لا يستفد منه الباحث في شئ؟؟
إن كل ما مضى بإمكان أي طالب عادي يقوم بها, ومع ذلك فلا أحد ينكر أن هذه الأمور من ضرورات التحقيق لكن هناك ما هو أهم منها بكثير فمثلا أين دور المحقق في :
o تنظيم الكتاب وتنسيق عناوينه وإعادة ترتيبها بشكل أفضل إن احتاج الأمر .
o شرح وتوضيح بعض النصوص المبهمة عند المؤلف.
o التعليق وإبداء الرأي حول نقاط عدة ظاهر فيها سوء التعبير أو سوء التركيب أو التعارض والتناقض.
o دعم النصوص بأقوال أخرى لعلماء آخرين.. والإشارة إلى ذلك.
o شرح الشواهد الشعرية والنثرية التي تحتاج إلى شرح وبيان وتوضيح.
o الإشارة إلى صحة نقل المؤلف عن غيره من عدمها .
o مقارنة بعض المسائل بمن سبقها أوبمن جاء بعدها وترجيح أحدها مثلا.
o التصحيح وتعديل التحريف والتصحيف الواقع في أغلب النسخ والمصادر المعدة للتحقيق.
o .................. الخ تلك الأمور الهااااااااااااااااااامة جدا والتي افتقدتها مع الأسف الشديد مع أهم مصادر بحثي , ولا شك أن هناك المئات من المصادر الهامة من تراثنا العربي العريق قد ابتليت بمحققين غير محققين وبباحثين غير جادين وأساتذة أنصاف أساتذة ........
فأين الأمانة؟
وأين الإخلاص في العمل الجاد كالتحقيق وغيره؟
وأين الحرص على هذه المصادر التراثية الثمينة وصيانتها وإخراجها إلى النور بصورة مشرفة تحفظ لها مكانتها وقيمتها؟
بل أين الحرص على الطلاب والباحثين... ونفع الناس من بعد التحقيق؟
أيها الباحثون المخلوووووون بالأمانة
أليس منكم رجل رشيد؟
الحقيقة أنني بحثت بيني وبين نفسي عن أعذار تبيح لأولئك الخونة التسلل إلى التحقيق والتطفل عليه و من ثم العبث بتلك الروائع من أمهات الكتب والأصول والمصادر العربية العريقة .. فلم لأجد لهم ولا حتى رائحة أو شبه رائحة لعذر يبيح لهم هذا العمل بل هذا الجرم الخطير بحق الطلاب والباحثين والدارسين وبحق تلك المصادر المسكينة المظلومة التي وقعت تحت أيديهم برغم إرادتها ولو نطقت أو تحركت لفرت منهم فرار السليم من المجذوم .
فهم فئتان لا ثالث لهما :
1. فئة تسعى للمتاجرة والشهرة والسمعة.
2. فئة جاهلة ونصف متعلمة لاتحسن عمل التحقيق أصلا فضلا عن الخبرة فيه.
وقفة :
قال الله سبحانه وتعالى : (( وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون )) 105 سورة التوبة
قال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: (( قيمة كل امرئ ما يحسن ))