البعد الثالث في القصة القصيرة
مقدمة بحثية :-
(1)
مازال الطموح المرسوم لتجسيد الرؤية الخيالية لم يأت جدواه ، ولم يستحوذ على رضي الساعين خلف تطوره الدائم ، حتى بعد أن حقق التجسيد الخيالي تقدماً كبيراً جداً في عالم العرض السينمائي ، فقد توقف عند محطة (D3) ، الرؤية المجسمة ثلاثية الأبعاد ، والتي تعتبر آخر ما توصلوا إليه في تقنية العرض السينمائي ، وتحتاج هذه التقنية إلى ارتداء المشاهد لنظارات خاصة تمكنه من التوصل إلى البعد الثالث ، بحيث يرى الأشياء المعروضة من ثلاث جهات ، وليست من زاوية واحدة مم يضفى نوعاً من المتعة البصرية ، وقد استخدمت هذه التقنية بشكل أكثر تطوراً في ألعاب (vedio geam )حيث توصلت هذه التقنية إلى الخيال المرئي ، والتي تُشعر الطفل كأنه جزء من عالم اللعبة ، وتحتاج هذه التقنية إلى نوع من النظارات البصرية التي صممت خصيصاً لهذا النوع من الألعاب ، تعتبر هذه النظارات هي معالجة بصرية للإدراك البصري العادي بطريقة تكنولوجية حديثة ، عمل دمج خلقي بين الإدراك الداخلي بعقل الإنسان ، والرؤية الخارجية المتجسدة في فيلم مصور بأسلوب البعد الثالث ، وقد احتاج المشاهد إلى وسيط ناقل لرؤية هذه الأبعاد الثلاثة في الصورة المتحركة ، فقامت النظارة ، و انعكاس الرؤية بها على شاشة العرض بهذا الدور ، من هنا مهدت تفكيري بتطبيق تقنية البعد الثالث (D3 ) داخل عالم القصة القصيرة .
(2)
تلازم الخيال بعالم الأدب ، فكانت الصور الأدبية التي يختلقها المبدعون على أوراقهم ، فيراها القارئ ويستمتع بها بطريقته الخاصة ،دون الحاجة إلي القوالب الجاهزة التي تفرضها عليه عوالم السينما والتصوير ، يرسمها حسب وعيه وإدراكه ، ورصيده النفسي و الثقافي ، فيتخيل الشخصيات ، والأماكن بمرجعية ذاتية ، يصنعها كيفما شاءت له نفسه المتخيلة ، الكامنة في اللاوعي ، ومراكز الإدراك داخل عقله ، فمثلاً يرى الشخص البدين في أحداث القصة بمرجعية لشكل صديقه ، أو جاره ، إذا كانت تنطبق عليهم نفس صفات البدانة ، ويرى الشخص النحيف بنفس المرجعية ، كذلك الفتاة الجميلة ، وشكل البيوت ، الحارات ، والأزمنة ، لكل شكل مقروء نظير له في واقعه ، يرى كل ذلك بحاسة بصرية غير ظاهرة ، لا يمكن لأي إنسان آخر الاطلاع على إنتاجها المصور ، يقول الله تعالى :
وجعلنا لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون [النحل: 78 ، نلاحظ هنا في الآية الكريمة أن كلمة الأبصار جاءت جمعاً ، معنى ذلك أن هناك أعضاء أخرى للرؤية ، غير عضو الرؤية والإدراك الحسي (العين ) ، فيوجد الإدراك غير المحسوس للرؤية غير المحسوسة (التخيل ) ، فالعين تفرض عليها الصورة جاهزة ، لا تحتاج لتدخل لصنع الصور المحسوسة المرئية ، أما الإدراك غير المحسوس هو الذي يصنع الصور الخيالية ، بعد أن يقوم بتجميع الأشياء المشتركة من الذاكرة الدائمة ليبني بها تلك الصور .
(3)
تعتبر القراءة أحد مثيرات هذا الإدراك غير المحسوس (التخيل ) ، مع اجتماع الصور مع لغة الحكي في القصة تتولد مجموعة من المقارنات الداخلية بين نفس القارئ ، وما يقرأه ، فتبدأ آلات المصنع الإدراكي في العمل ، فهي تتلقى الكلمات المقروءة كمادة خام ، ثم تمر بمرحلة التركيب الضمني ، ثم بجهاز الفرز الداخلي ، ثم بإجراء مقابلة مع جهاز الذاكرة ، فتدخل جهاز الدمج ، لتخرج لنا الصورة في النهاية ، من هنا يمكننا البدء في مرحلة جديدة ، وهي مرحلة تحويل هذه الصورة إلى صورة (D3 ) أو صورة البعد الثالث ، كما حدث مع السينما المرئية ، وألعاب ((vedio geam ، فالسينما تعتمد أصلاً على الإدراك المحسوس للرؤية المادية ، عندما أراد المختصون تطبيق الرؤية ثلاثية الأبعاد في السينما قاموا بالتدخل في الترتيب البصري للعين الذي يسير كالآتي :
1- العين اليمنى ، وتتكون فيها صورة من الجهة اليمنى للشيء (منظر مرئي من الزاوية اليمنى من الأمام) .
2- العين اليسرى ، ويتكون فيها صورة أخرى من الجهة اليسرى للشيء وهي تختلف بعض الشيء عن الصورة المتكونة في العين اليمنى .
3- الصورة التي ينشئها المخ ، وهي الصورة الأخيرة التي يدركها الإنسان وهي الصورة المطابقة تماماً للواقع بخلاف صورتي العينين اللتين تكونان صوراً حقيقية ولكنها مشوهة
وهنا تدخل خبراء التصوير السينمائي ، في تكون صورة المرحلة الثالثة ، عن طريق تلك النظارات الخاصة التي يرتديها المشاهد ليتمكن من رؤية الصور مجسمة بأبعاد ثلاثة ، فالصورة على شبكية العين مسطحة لأنها مكونة على سطح ذي بعدين هي شبكية العين ، تنعكس هذه الصورة على شاشة السينما المسطحة على جسم مسطح وهو شبكية العين ، ومن هنا نرى الصورة ببعد واحد ، فقام خبراء التصوير بمعالجة تلك النقطة ، من خلال التصوير السينمائي ، وشاشة العرض ليتمكن المشاهد من الرؤية في البعد الثالث . وهنا نجد أن هذه العملية اعتمدت على عدة وسائط لمشاهدة صورة (D3) :
1- العين المجردة .
2- النظارة المعالجة.
3- شاشة العرض .
4- الكيمياء المخية .
(4)
بالرجوع إلى عالم القص نجد أننا لو أردنا تحقيق ذلك لابد وأن نعتمد على عدة وسائط لتكون الصورة الثلاثية في ذهن القارئ فيتمكن من رؤية الصورة خارج الأوراق ، من خلال التراكيب المزجية ، و من خلاله هو ، لكي يتمكن القارئ من الوصول لهذه المرحلة لابد وأن يقتني النظارات المعالجة للرؤية المسطحة ، والتي تعالج إدراكه غير المحسوس ، من خلال وسائط العرض للتمكن من رؤية الصورة ثلاثية الأبعاد في عالم القصة المكتوبة ، وتلك النقطة تأتي عن طريق التماس النفسي بين الكاتب والقارئ من ناحية ، ونص القصة من ناحية أخرى ، حتى يتم الوصول إلى حالة الحس الإدراكي الداخلي لصنع الصور ، وللوصول لتلك النقطة يجب على الكاتب العمل على التوافق اللغوي النفسي للمكان التشخيصي اللغوي بالنص ، فمثلاً لابد وأن تأتي لغة الصراع النفسي سريعة ، قصيرة الجمل يشارك القارئ لهث الشخصيات وصراعهم ، وأن تأتي النصوص الرومانسية هادئة الوقع ، مسهبة الجمل ؛ فيشعر القارئ بحالة من الهدوء النفسي ، وهكذا ، ومن هنا لابد أن يعتمد الكاتب على عدة وسائط للعرض ، وظهور الصورة :
1- الاستهلال الجذاب .
2- موائمة اللغة للحالة .
3- اعتبار قوانين الإدراك ( الإغلاق – الامتلاء – الشكل والأرضية .. وغيرها ).
4- الوصف. ( الصور – الألوان )
5- الإحساس المشترك (التوحد النفسي بين الكاتب – القارئ ).
السؤال :
هل يمكن تطبيق تلك الرؤية في القصة القصيرة فعلاً ؟