بسم الله الرحمن الرحيم
صدقت القائلةُ بأنّها جمعت بين " الجنون والعقل " ولعلّي أضيف عليها بأنّها اكتملتْ جمعاً متناسقاً بين جنونيّةِ الألم وعقلانيّة الانتقام .
فجنونية الألم تكمن في:
الأسماء " ظلمة الليل , دمعة , آهة , صحراء الهموم , شجوٍ صارخ , لوحات الندم , انعدام النور , قطرات دم , الجحيم , الحرباء , أقنعة , اللئيم , وغيرها "
الأفعال وشبهها " ملّت , مكبّلٌ , يفرُّ , يهيم , تخطُّ , استحال , عجباً , تحتلُّ , تخيط , أوّاه , انقض "
ومن هنا نلحظ العلاقة بين هذه الأسماء والأفعال وبين نفسية الشاعر من حيث قوّة الألم والحزن والتي مع التعابير والتراكيب نجد فيها الجنون بحثاً عن خلاصٍ من المحيط الذي يحيط الشاعر حتّى كاد يسكنهُ ..
مع العقلانية وما بها من انتقام بعض الشيء ربمّا من الذات وربّما من المؤثّرات على الذّات نجد في النصِّ ما يسوقنا إلا ذلك وهي تكمن في أفعال الأمر ونجده يتكرر بكذا طريقة كلُّ طريقة تناسب وضعها مثلاً في " أحتاج دوماً للنديم " وفيها حنين واستمالة وترقق يجلب الحزن ..
" واتبع خطى .... " تعقّلٌ في إدراك الأثر يتبعهُ استغراب وكأنّه يقول ( أيفرُّ من أرض النعيم ! ) فنجد ذكره إسناد الفعل للمجنون إجابةً على الاستغراب, والجميل في هذا قوله " وهو يفرُّ " فتكون الجملة حالية أي ( اتبع خطاه حال فراره من النعيم ) لإثارة الكيفية هنا .. كذلك في " صوّر خطاه ... " يأخذنا إلى نفس التأمل السابق ..
في المقطع التالي " عجبا ً لمجنون ٍ سينعمُ في الجحيمْ !! " صياغة ولا أروع فانظروا إلى العلاقة بين " عجباً و "سين " التسويف في سينعم " هنا تكون العبارة ( مجنون ينعمُ في الجحيم ) ولو كان القصدُ أنَّ رجلاً سينعم في الجحيم لاكتفى دون عبارة تعجبية فنُؤَوِّل ذلك إلى الجنون لكن التعجب هنا أتي للمجنون مما يزيد روعة الصياغة ..
أكتفي بهذا وإن كنت أسهبتُ كثيراً دون أنْ أحتوي ولو جزءً منها بما تراءى لي وأقف قبل ختامي عل نهايتها في قولك "
وامْنَح رياحَ الدهرِ فرصتَها لِتذروَ رملها فوق الخُطى
لِتضيعَ آثارُ الهوى "
دقّةُ التصوير هنا تكمن في " آثار الخطى " وقد حذفت مجازاً , وأجدُ نفسي سائلاً هنا , هلْ تضيع أثار الخطى إنْ كان السير فوق طين !؟ ... لعلّها فلسفة الحديث عن الماضي وذاكرةٍ تختزن الذكرى ..
ستكون لي عودة إن شاء اللهُ , وقد تطول .. فاعذرونا على التقصير .
أستاذي خشان مكسبٌ هو تناول هذا النصِّ بدلالة المؤشِّر .. شكراً لك على ذلك .
الرائع / متذوق .
لك المحبة والتقدير
دمت بخير في أمان الله .