بسم الله الرحمن الرحيم
هي أسطر قديمة العهد .. ذكرتني بها زلة زللتها .. أو حتى أكون أكثر دقة .. هي سقطة من سقطات قلمي العنيد .. ولست أدري أكان هذا اليراع يتعمد ذلك أم أنه غدا لا يدرك ما يكتبه !!
و بعض هذه الأسطر كانت ردا على بعضهم .. ممن ساقه قدره لقراءة خطوط قلمي .. فرأى وجهه القبيح فزادني علما بهذا .. أو تأمل ما فيه من جمال فبحث عن نبعه ..
قلمي
قلمي .. ذلك الحصان الجامح .. والذي يأبى إلا أن يخط على الصفحات ما يفيض به حبر وجداني .. هاتكا سر أشجاني .. أغضبني .. وأثار حفيظتي .. بعد تلك المرارة التي رأيتها سطورا بين الوريقات ..
لا أملك حيلة فكل محاولات الترويض له باءت بالخسران ..
قلمي .. ترى هل تدرك أن خطوطك ترسم لوحة قاتمة الألوان .. في حديقة يزورها عطشى للزهر .. ظمأى للفل والريحان ..
قلمي .. ألا ترى أنك تضرب بسياطك جدران قلوب هدها طول الأسى .. وصدعها مرور أيام حزن عظام .. قلوب تنتظر يدا رفيقة تمسح الكمد وتزيل الألم ..
قلمي .. ألم تجرد نفسك من جرابك .. لترفع كلمة حق .. وتعلي كلمة حقيقة .. أم أصبحت كالا .. تكسر أطرافك .. دمعة فاضت بها عيناي لحظة ضعف .. وهنية حيرة ..
حسامي .. أصبحت سيفا يعلو ترقوتي .. كلما رسمت حرفا اقتربت نهايتي .. وحفرت بحديدتك قبري ..
فخطوطك .. لسان فاضح .. سيرديني .. ويعجل من توسدي رمسي ..
ريشتي .. عاهديني أن ترفقي بي .. وترسمي أحلامي .. وآمالي .. وتزيني ورقاتي بورود زاهية الألوان عطرة الأنفاس .. تعيد البسمة بريقا حلواً في العيون قبل أن تعلو الشفاه ..
وعديني .. أن تكوني بلسما لجراح القلوب المتعبة والنفوس المنهكة .. لعلي أرسم بك سعادة تملأ الأرجاء حولي .. فتعود الأطيار تغني في روضي شجية الألحان ..
أحوال النفس
ربما للقلم ألوانه .. ولكنها ألوان شراين الفؤاد التي تمده بفيضها ..
وهي ألوان أحوال النفس .. ما بين عشية وضحاها ..
أحمد الله الذي يغير ولا يتغير على تبدل الحال .. إلى حال .. وإلا لضاق الناس بأحوالهم .. وتجمدت سواقيهم عن الدوران ..
وأحق الناس برؤية لوحات الهناء والسرور هم من عاصروا رقعات الألم والأسى ..
فهذا من باب الوفاء بالجميل .. لهم حملوه بين صدورهم .. أو دمعة ذرفوها من مآقيهم ..
الأسى هو المعلم
ما من معلم أفضل منه في شحذ أقلام المساكين أمثالي ..
ولا مربى أفضل من طول السهد .. وقلة الراحة .. في إعمال الفكر .. وترجمة البيان ..
ولا مؤدب أرقى من عذاب ضمير .. وتأنيب نفس .. في رسم الحروف .. وتلوين الكلمات ..
ويبقى تعاقب الليل والنهار مع استمرار الألم .. وبقاء الوجع .. خير مدرب على تقليد الكبار من الأدباء .. والكتّاب ..
الناقد
لست أرى أن قلمي ينزف دما ..
بل هو قلم يترجم لحظات حياة .. بكل ما فيها .. الأسى .. الفرح .. الرضا .. والسخط ..
لماذا ترسم لي لوحة قبيحة عن صدى كلماتي .. والله ما رأيت يوما
قلمي يعيش لأحد .. إلا لنفسي .. وما بحثت يوما أن تتربع كلماتي فوق ركام الصفحات .. ولا لهثت يوما أن أجمل حروفي لتزهو أمام العيون ..
أتراني أعيش لغيري .. فأنتظر جزاء الفضل .. ورد الجميل .. والله ما أراني إلا رحى تدور حول نفسها .. ولا تذكر إلا ذاتها ..
أخي ..
كن رحيما .. وترفق بأختك .. فحروفك .. جعلت سيفي أكثر مضاءً .. وأقرب حزا .. لرقبتي ..
لحظة أمل
ربما وجدت قلمي مزهوا بنفسه .. سعيدا بما وصل إليه .. من رسم لرقع الألم والوجع .. وكأنه عدو لي .. يحاربني وينتصر علي .. وينتشي بالفوز ..
ولكني .. مصرة على ترويضه .. وتدريبه .. حتى يحسن رسم الأمل والتفاؤل .. وتلوين الأزهار .. وتعطير الأنحاء بعطر الرضا .. واليقين ..
فأن ربحت .. فيكفيني أن أرى حروفي تتراقص على أنغام البسمات فوق شفاه من يقرأها ..
وأن خسرت .. فهي جولة .. وهناك صولات ..
فلن أجعل من قلمي شيطانا .. يفقدني يقيني بربي .. وإيماني برحمته .. وجميل إحسانه ..
فأن رأيتموه قد خرج عن جادة الحق .. فعلموا أن هناك حربا ضروسا بيني وبينه .. فأعينوني .. وأمدوني بسلاح العظة والتذكرة .. والدعاء ..
الهزيمة
هي الهزيمة بكل قسوتها .. بكل المرارة التي فيها ..
أعترف أن قلمي هزمني .. هزيمة منكرة .. أضاعت كل حرية كنت أتغنى بها ..
ووضع في يدي قيد العبودية .. لكلمات رسمها أذل بها عنقي .. أعترف أن حسامي غرز نصله في صميم كبريائي .
فحروفه .. وأسطره .. نشرت حديث نفس يائسة .. ضعيفة .. معذبة .. ظالمة ..
ما أقبحك من قلم .. وما أسوء حبرك .. بل ما أسود حبرك ..
أنت عبد تأمرك أصابعي .. فكيف تحرن أيها العبد .. وتخرج عن طوع سيدك .. بل وتقتله بحديدتك الصدئة ..
اكتب ما تريد .. وارسم ما يحلو لك .. سيأتي ذلك اليوم الذي أكسر فيه ريشتك .. وأودعك درجي فلا ترى النور .. وتحبس .. فلا تعرف خطا ولا رسما .. حتى تعود إلى أمرة سيدك ..
وإلى ذلك الحين .. لن تكتب حرفا ولن تخط سطرا ..
و ما زلت الحرب مستمرة ..