عصفورة صغيرة بلا ريش، قبل الأوان كبرتُ، قبل الأوان أمّاً أصبحتُ... كنتُ في سجن الآخرين أعيش.. اسمي لم أتلذّذ بطعمه إلاّ صبيّة، حملته أنا و كان سلاحاً للغير، لا للطفلة الفتيّة...
و مرّت أعوام و الفكرة تأسرني، تُخْرِجُ الكلّ من مآزقهم أمّا أنا فتكسرني..
ذات ربيع، زهره عطِر، كان هو و كنتُ أنا... و كان الإخلاص و الوفاء لمبادئ حائلاً بيننا.
فتح لي ذراعيه و قال "أقبِلي"، لأضمّك لصدري، لحياتي و عمري المقبل...
طبعاً أنا التي أدرتُ أعناقَ معظم الرجال... و أثرتُ الشكّ عند الكثير من النّساء... هنَّ يقلْنَ بأني مجنونة.. و هم يدّعون نفاقاً بأنّي جوهرة مكنونة...
أنا، لا جواب لي، فهناك من يراقب من بعيد... أو من قد يُفسد فرحة العيد.
قلتُ: لا شكراً، لا تَهمُّني دعوتُك ...
... لماذا أيتها العصفورة رفضتِ قلباً أُهدِيَ إليكِ؟...
لا تخافي و قولي إنك سكتتِ دهراً.. و حملتِ اسمكِ دهراً.. و لا تحبين أبداً باسمِكِ أيتها الحرية أن يُفرَضَ عليكِ أي شيء كما كان الأمر في الماضي...
قلتِ لا، لأنك يا حريّتي لستِ أنت من اخترتِ... فأنتِ أقسمتِ و أخذتِ عهداً على نفسك أن تحملي اسمَكِ و تنفّذي حروفه حرفاً حرفاً... فقلتِ لا لأنه ممنوع على غيرك أن يقول شيئاً، حتى لو كان ربيعياً دافئاً...
فأنتِ فقط من تريد الاختيار...
و هذا الذي لم يعرف الصبر.. لماذا لم ينتظر حتى أشير إليه أنْ تعالَ فأنا أحبك؟ لماذا دخل المنطقة المحرّمة؟ لماذا أحببته أنا بعد فوات الأوان؟ ولماذا لا أملك أن يعود إليّ؟ ... و أخاف.. و أخاف.. و أخاف...
أتُراه الحب؟ أتراه الرّعب؟ لماذا هذا الذي تسمّونه حُبّاً عليه أن يكون سجناً؟
العودة إليكَ يا حبيبي مستحيلة... فأنتَ لم تعد هنا... و أنا أتيتُ متأخرةً بعض الشيء عن موعدنا.. أنا هنا و أنت ذهبتَ...
مهلاً يا عصفورتي، قلتِ "العودة إليكَ يا حبيبي؟" أتحبينه حقّاً ؟؟
- اخفضي صوتكِ و تكلمي بِهمس الملائكة... ماذا ستفعلين الآن؟
أتقبلين من راح و جاء، و جاء و أنتِ أبعدْتِه؟ أتقبلين على التنازل و أنتِ أنتِ؟
... عصفورتي.. يقتلني غرورُكِ، يقتلني اعتدادك بنفسك ... حتى أمام المرآة لا تتواضعين لصورتِك...
لا أعلم إنْ كان كل الذي يحوم حولي اسمه عشق و غرام؟...
أعترف بثلاثة اعترافات ...
أولاً: أنا، الحرية صارت تتعب من راياتي وشعاراتي.. و عليها أن تنام قليلاً كل يوم..
ثانياً: لا أستطيع طرد الواقع أو السمُوّ بالخيال.. و أعلم أنه صعب أن يسمو الخيالُ في عالم الواقع.. و لذلك يقولون عني مجنونة...
ثالثاً: أخاف من غدي أن لا يكون منصفاً.. فأنا التي غنّيت الحب منذ أكثر من عقديْن.. أنا التي زرعتُ الابتسامة على وجوه الآخرين، أخاف من غدي أن يُبقي لي صور الماضي، و يحنّطني في لوحة ما رسمتُها أنا.. وسأبقى أحمل اسمي وأطبّق معناه حرفاً حرفاً إلاّ ... إلاّ أن أقول أحبّكَ...
لقد كنتَ هنا وأجبتكَ متأخرة بضعة أيام.. هل يعود الزمن للوراء؟..
هل يُواكب جنونُكَ جنوني؟ هل ستفهم عندما أقول لك إني أحببتكَ الآن و ليس البارحة؟ و ماذا سيجري لو تركتَ البارحة، وأبحرتَ معي الآن، على مركب الغد؟...
إنْ كنتَ تحبني، فستفهم مِن كلماتي.. مِن إشاراتي، من نظراتي.. و إذا تلقّيتَ كل اعترافاتي، حتماً ستأتي إليّ و سآتي إليك..
و إذا بقيتَ في زاويتكَ المفضّلة، لا تحرّك فيك كلماتي شيئاً، فذلك لأنك ربّما أحببتَ الفتاة في لحظة، لكنك لا تملك الحفاظ عليها أكثر من لحظة...
عُدْ يا حبيبي، فأنا، بدأ الهذيان يأكل جسدي و ليس عقلي فقط...
أحبُّكَ، لا تحبّني.. تحبُّني و لا أراك... لا يهمّ، كل شيء غير مهمّ...
عُدْ إلى هنا... فالحرية لا تقدر أن تطير... لأنها أسيرة.. ممنوعة من السفر...