من بديهيات المعرفة .. إدراك الإنسان أن ناموس الحياة على الأرض .. هو التوازن الضروري لاستمرارها ، وهو غير قابل للاختلال ؛ وأن قوة المخلوقات على الأرض- مجتمعة - مهما بلغ بها العتو تبقى خاضعة للقوة الإلهية الأزلية الأبدية القاهرة العادلة التي تحفظ ذلك الناموس ولا تسمح بالمساس به - إلى أجل لا يعلمه إلا الواحد الأحد .
ومن الحكمة.. أن يتعايش الإنسان مع شرٍ يعرفه ، فربما كان وجوده هو المانع من شر أعظم - لا يعرفه .
ومن الهزيمةالثقافية .. اختزال مواجهة الخصم في امتلاك القوة من أجل هزيمته مادياً .
ومن الرشد.. عدم جزم الإنسان بصواب رأيه - طالما أنه ليس رسولاً ، وطالما وجد من يخالفه الرأي .
ومن الضلالة.. جزم الإنسان بخطأ غيره .ومن الفطنة.. أن لا ينسى الإنسان نصيب الأقدار في تصريف الأمور .
ومن الإسلام.. تسليم الإنسان بضرورة وجود الشر في الحياة الدنيا ، واستحالة اندثاره بواسطة مخلوق .
ومن الإيمان.. إدراك الإنسان أن من خلق الخير - هو ذاته من أذن بوجود الشر إلى أجل لا يعلمه البشر .
ومن الكفر.. مكابرة الإنسان وإصراره على أفكاره - في وجود الحُجج الدامغة على بطلانها .
ومن الخير.. أن يمتدح الخصم خصال خصمه الحميدة .
ومن الشر.. أن يفتخر الإنسان بما لم يُحققه ، وأن يطرب لمدحه بما ليس فيه .
ومن الأخلاق.. أن يذكر الإنسان عيوبه - قتلاً للغرور الآدمي ، وإحياءً للإنصاف الإنساني .
ومن الأنانية القاتلة.. أن يختزل إنسانٌ لنفسه الحق في تصنيف الشر وكيفية محاربته .
ومن الحمق والجهالة.. أن لا يعرف الإنسان أن ترك الشر وشأنه - قد يكون أفضل وسيلة لمحاربته .
ومن غير المعلوم للإنسان.. مكمن الشر ومكمن الخير - طالما بقي جزء من حياته مستقبلاً .
ومن رداءة الثقافة.. استعمال الإنسان - العنف مقابل الحجّـة .
و أقول لمن اتفق معي .. على هذه المعاني والتعريفات .. أنه بإسقاطها على الواقع الدولي .. يتضح أن شبه الإجماع الشعبي العربي على كراهية أميركا وبريطانيا ومعاداتهما .. ليس مدروساً بشكل منصف لهاتين الأمتين ، وليس في صالح الاستقرار العالمي .
وهو نتيجة مباشرة لإعلام ينقصه الرشد الفكري ، والبعد المنطقي ، والأمانة والمقدرة - المهنيتين .
ومن الواضح أن القاسم المشترك هنا هو العداء لقوة أميركا بالأساس ، وليس لظلمها .. حيث أن العداءات لا تنطلق من ذات الرؤى وذات الأسباب .
وبإلقاء نظرة مبسطة على الأحداث العالمية خلال القرن الماضي ، وبافتراض هزيمة أميركا وبريطانيا .. وقراءة الحاضر في ضوء ذلك .. ربما اتضح وجود الخير فيما نسميه اليوم بالشر ..
حيث أنه سيتضح أن بديل أميركا وبريطانيا .. كان سيكون ألمانيا وإيطاليا واليابان .. التي لم تكن وقتها تحتاج إلى أسباب للغزو والقتل والاحتلال ، والتي لم تكن ترضى بأقل من الخضوع الكامل والمعلن لها ، والتي كانت تنادي باستعباد أو سحق بقية الأعراق ، والتي لم تكن تسمح بمعارضة داخلية أو خارجية لسياساتها ، والتي لم تكن تدعو إلى أخلاق أو قيم إنسانية .. حتى من قبيل المجاملة أو الدعاية لها ، والتي لا تزال أفكار الانتقام واستعادة أمجادها على حساب الآخرين .. قابلة للحياة في مجتمعاتها .. والتي ما كان العالم بأسره قادراً على لجمها وتحطيم أفكارها العنصرية الفاشية .. لولا تضحيات أبناء أميركا وبريطانيا بالدرجة الأولى .
وما كان البديل ليكون الإسلام الحقيقي المفقود حتى هذه اللحظة ، ولا المبادئ والقيم الإنسانية التي يمتطيها الجميع اليوم في عدائهم لأميركا وبريطانيا .. والتي لا يخلو منها المجتمع الأميركي والمجتمع البريطاني قبل وبعد انتصارهم .. والتي ينكرها عليهم الجميع تقريباً ، ولا يكادون يذكرونها إلا قليلاً .
ولا أحد منا يعلم ما الذي يتربص بالعالم وينتظر سقوط هاتين القوتين اليوم . والذين ينادون بسقوط أميركا وبريطانيا .. وخاصة الإسلاميين المتشددين .. هم آخر من يمتلك نظرة مستقبلية أو إستراتيجية مدروسة بديلة للحاضر .
وكل ما نراه هو إفراط في اليسارية الراديكالية ، ورغبة جامحة في التغيير وتقويض الترابط الأممي العالمي القائم .. دون حسابات لمآلات الأمور .
والبديل الذي يمكن قراءته الآن .. هو فتنة عالمية كبيرة سيدفع ثمنها العرب والمسلمون والضعفاء في العالم .. لا أكثر من ذلك ولا أقل .
وأذكـّر بأهمية عدم الخلط بين ما نحاول معالجته من أمور تؤثر في علاقات الشعوب وأخلاقيات الأفراد الذين يستقون معلوماتهم ويتولد لديهم الحماس والانفعالات وردود الأفعال تجاه باقي الأمم .. وفق أسلوب الطرح والزوايا التي يركّـز عليها الإعلام ،.. من ناحية .. وبين سياسات الدول وتضارب مصالحها ، ورؤى القادة والزعماء الذين يُحـدّدون مسارات تلك الأحداث - تكتيكياً - بما يخدم الاستقرار العام .. سواء داخل الدولة الواحدة أو على المستوى الإقليمي أو العالمي ..