جون 1 جون 2
حين ترى توأما فإن ذلك يبعث في نفسك بهجة وعجبا , فأنت تتأمل كائنين متشابهين ومتماثلين , لكن ما رأيك حين ترى كائنا واحدا كائنين !! أقصد أن يصبح الواحد اثنين , هذا بالضبط ما حصل معي , فبينما أقضي وقتي متواريا في مكتبة البروفيسور أنطونيو -أكتب مذكراتي وأقرأ في المجلدات الضخمة وأستمع إلى الأسطوانات الموسيقية- يعمل جون2 في حمل البضائع الواصلة إلى الميناء بجد.
لطالما كنت شغوفا بالعلم منذ أن كنت طفلا لقيطا ترعاه الكنيسة , وكثيرا ما كنت أتسلل إلى حجرة الأم ديانا لأطلع على الكتب التي يمنعوننا من دراستها في الكنيسة , ولما بلغت الخامسة عشرة ودعتني الأم ديانا وأخبرتني أن علي أن أشق طريقي بنفسي , مذاك تعرفت على الميناء والشقاء في آن , كان جسدي ضئيلا وضعيفا ولم تكن قامتي قد امتدت بعد , ومع هذا كنت أحمل البضائع بجد مهما بلغ تعبي . أذكر جيدا وقت وصول البروفيسور أنطونيو إلى مدينتنا تأملني جيدا قبل أن يأمرني بحمل حقائبه إلى نزل قريب , وحين وصلت أمرني أن أحضر إليه صباح اليوم التالي , ثم طلب مني أن أصطحبه للبحث عن بيت يقيم فيه , كان يبدو على البروفيسور أنطونيو الثراء الفاحش ؛ فإضافة إلى شراء منزل كبير جدا يحتوي على مختبر واسع في قبوه كان يرتدي دائما بذلة إنجليزية فاخرة ويعد طباخة كل ليلة حساء ساخنا و وجبة لحم كبيرة . أصبحت أعمل لدى البروفيسور أنطونيو أكثر من عملي في الميناء ذلك أنني أجد فرصة أتلصص فيها على مكتبة البروفيسور الضخمة والاستماع إلى موسيقى اسطواناته التي يديرها كل ليلة , كما أن جولي العاملة لدى جارة البروفيسور أنطونيو كانت تروقني كثيرا . أما البروفيسور فقد كان يشفق علي وكثيرا ما يسمح لي مشاركته وجبة العشاء ومع هذا لم أكن أطمئن له , فعوضا عن كونه لا يحضر إلى الكنيسة أيام الآحاد كان يحدق إلي بنظرات مريبة , ذات مرة قدم لي مشروبا غريبا وحثني على شربه مشيرا أنه سيعطي عضلاتي قوة تخدمني في أعمال الميناء , كان مشروبا مرا أخضر اللون و ذا رائحة حادة لكنني شعرت بقوة تسري داخلي فور انتهائي من شرب القدح . أصبحت أطلب منه أن يزودني بهذا المشروب كل مرة , خاصة أن قوتي تزداد وجسدي يتضخم و جولي تزداد افتتانا بعضلاتي المفتولة . كان حبي لها يزداد ضراوة ولم أكن أملك من المال ما يكفي لأهرب معها . حتى فاتحني البروفيسور في الأمر وفكرت بصفقته مليا ...
كانت مغامرة كبيرة ولاشك , لكن ثمنها كان مرضيا بل مغريا لبائس مثلي, فأنا سأحصل على مبلغ يكفيني لشراء منزل أنيق أقيم به مع جولي وسأصبح طالبا عند البروفيسور بدلا عن كوني خادما له . كما سيوجد لي قرين جديد يشبهني تماما للعمل في الميناء ؛ كل هذا سيكون مقابل أن يجرب البروفيسور مجموعة عقاقيره علي .
في اليوم الأول من تناول العقار شعرت أنني أتضخم . شرح لي البروفيسور أن كل خلية من خلايا جسدي ستنقسم لتكون جسدا آخر . كنت أتألم بشدة وكان البروفيسور يسقيني الكثير من المسكنات وتضخمي يزداد يوما بعد يوم . بعد أسبوع من تناول الجرعات استيقظت على ألم مبرح خاصة في عضلات ذراعيّ . كان التضخم فيهما يشكل ذراعين خلفيتين لذراعي , وكان الألم يفتك بي بشدة كأنما قرر أحدهم أن يشد أحد أصابعك شدا حتى يقتلعه . الوجع كان فتاكا وحينها كنا وصلنا لمرحلة لا يصلحها العودة إلى الوراء وكان الأسلم أن نمضي في خطة البروفيسور قدما . غبت عن الوعي وحين أفقت وجدت شخصا يماثلني تماما ولا تكاد شعرة تختلف بيننا . كنت موهنا للغاية أما الكائن بجانبي فقد كان مستغرقا بنوم بدا عليه العمق . ابتهج البروفيسور كثيرا لإفاقتي خاصة أنني تحدثت معه بوعي تام , كل ما كنت أشكو منه هو الوهن الشديد . شرح لي البروفيسور أن الأمر طبيعي بعد أن أفرز جسدي جسدا آخر سيأخذ معه أغلب قوة عضلاتي ولن يتبق لي إلا ما يكفي لجلوسي ولمشي مسافات قصيرة . أما عقلي فسيبقى كما هو وسأتمكن من مباشرة انشغالي بالعلم والدراسة. عندما أفاق جون2 – كما دعاه البروفيسور- كان كمن اتفق معنا ضمنيا على كل ما نريد . وبدا لنا أن ذاكرته ليست إلا نسخة مطابقة من ذاكرتي . حجمه مماثل لحجمي تماما غير أن جسده يتمتع بقوة خارقة على العكس من جسدي الذي أصبح يرتدي الاعتلال دوما . انطلق جون2 في أعمال الميناء وبجسده القوي أصبح يجني الكثير من المال ؛ أما أنا فلا أزال أتوارى في مكتبة البروفيسور لأن أحدا لا يدري أن جون أصبح كائنين اثنين . وحين كنت أمل وأخرج إلى حديقة مجاورة لملاقاة جولي , كانت تتألم لذلك الوهن البادي علي . كما أنها كانت تنقل لي ما يتحدث به أهل المدينة من أمر قوتي المفاجأة والتي لاحظها كل العاملين في الميناء .ولم تنس أن تبدي عجبها لوهني بينما يتحدث الجميع عن قوتي . كانت الأمور ستجري على ما يرام لو لم يصبح جون2 عدائيا جدا حين أتحدث عن جولي , وأغلب الظن أنه أحب المرأة التي أحب وكل ما أخشاه أن يضطر أحدنا للتخلص من الآخر حتى يحظى بجولي ...
* من الأوراق التي وجدت في حجرة القتيل جون1
أغسطس 2007