يقول الحق تبارك وتعالى ..
بسم الله الرحمن الرحيم
(ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن يضل من يشاء ويهدي من يشاء ولتسألن عما كنتم تعملون ) النحل 93 .. صدق الله العظيم .
ويقول جل من قائل ..
( إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين ) القصص 56 .. صدق الله العظيم .
تذهب العواطف بالبعض منا حد اليأس - عند وصفهم لحال الأمة العربية الإسلامية .. وليس الحال كذلك ..!
وربما أوصلوا أنفسهم وغيرهم إلى هاوية الإحباط وشفير اليأس بسبب الإفراط في وصفهم لقوة الأعداء وحِـدة بغضهم وشِـدة عدائهم لنا .. وليس الأمر كذلك ..!
وكثيراً ما نستشف من أفكار البعض - منا من خلال كتاباتهم – أسفهم العميق وحزنهم الشديد على ما آل إليه حال الأمة .. وكأنهم يعتقدون أن الأمة بمجموعها كانت في يومٍ من الأيام شعوباً وحكاماً - ملائكة عربية إسلامية- لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون .. الأمر الذي لم يكن يوماً من الأيام واقعاً بشرياً مُعاشاً على الأرض .. حتى في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم . وإنما نحن أمة كغيرنا من الأمم البشرية منا الملتزم ومنا المنحرف ، منا الصادق ومنا الكاذب .. إلى ما شاء الله .
قال تعالى .. (فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون ) التوبة 77 .. صدق الله العظيم .
ومن الملفت للانتباه أيضاً والمثير للدهشة .. هو انتقادنا الحاد للفكر الغربي بحجة إهمالهم أو مُحاربتهم للجانب الروحي من حياة الإنسان- لصالح الجانب المادي منها .. متناسين أنفسنا ونحن نغالي في الدعوة للتوغل الفكري في الجانب الروحي ، ونمعن في تهميش ونبذ وتسفيه المتطلبات المادية الفطرية للبشر ..!
وكأنها ليست بمشيئة الله ، أو أنها ليست من ضرورات الحياة ..! وكأننا نحاسب الإنسان على أنه المسئول عن وجود تلك المتطلبات المادية كجانب ضروري في حياته ..!
وإنه لمن المبالغة والإجحاف والتعصب وعدم الإنصاف- وربما بدواعي الأحقاد الفكرية والترسبات التاريخية الموروثة العمياء اللا مبررة في أغلب محطاتها- وصفنا لحياة غير المسلمين بالمادية المطلقة .
متجاهلين حقيقة أن الفكـر الغربي - وبسبب حالة الاستقرار والمناخ الحر المتاح للفطرة الإنسانية لديهم - قد توصّل إلى أهمية الجانب الروحي ، وبقناعة تامة . وأن المفكرين لديهم قد استنبطوا حقائق وطرحوا أفكاراً أدت إلى التماسك الاجتماعي والتراحم فيما بينهم ، ونادوا بحقوق الإنسان وحماية القيمة الروحية والمعنوية للإنسان ، واطـّلعوا على كتب الأديان السماوية ومنهم من آمن ودخل الإسلام طواعية وعن بيّـنة بفضل حرية الفكر والمعتقد لديهم .
لقد ميّـز الله سبحانه وتعالى الإنسان عن سائر المخلوقات على الأرض – بالعقل ؛ وميـّز الإنسان عن الإنسان بالحكمة .
فبالعقل يُنتج الإنسان الأفكار ، وبالفكر يُدير الإنسان جوارحه ومواهبه ومهاراته لتحقيق متطلباته وإشباع رغباته .
وبالحكمة يُوجه الإنسان عقله ، ويوظّـف أفكاره ومهاراته ، ويحد من شهوات نفسه ويُوقفها عند حدود ضروراتها - بما لا يُخالف الفطرة الإنسانية السوية .
وعند ذكر الفطرة الإنسانية السليمة ؛ لا بد من الإشارة أو الإشادة بما توصّل له الفكر البشري في العوالم المتحضرة اليوم ؛ حيث نلاحظ أنهم يُعاقبون بشكل فوري كل من يُخالف القوانين الوضعية التنظيمية ، لأنهم يتوقعون مخالفتها حيث أنها لا تتوافق مع الفطرة السليمة على المستوى الفردي ، وتكون مخالفتها عادة بشكل متعمد ؛ في حين أن تلك القوانين هي مطلب حياتي مرحلي متغير - أملته ضرورة التعايش الجماعي من أجل تنظيم حياة المجتمع ، ولذا فقد وجب إجبار الأفراد على الالتزام بها من أجل المصلحة العامة .. كإشارات تنظيم حركة المرور مثلاً ..
بينما نجدهم يتريثون في معاقبة من يُخالف الفطرة السليمة – كالذي يقتل إنساناً بريئاً ..! لأن مخالفة الفطرة الإنسانية لا يُقدم عليها إلا من كان مختلاً وليس سوياً ؛ وفي هذه الحالة فإن عقاب المختل عقلياً أو المضطرب نفسياً لا يكون منطقياً ، بل المنطق هو علاجه بدل عقابه ، والبحث عن سبب خروجه عن الفطرة الإنسانية السوية ..!
فحذار المبالغة والتهويل عند النقد والتنبيه والتحذير ؛ .. وحذار الإفراط في النصح بما يُشبه الدعوة إلى فعل المستحيل ؛ ..
وحذار عدم الإنصاف مع الخصوم ؛ .. وحذار تزكية الذات وظلم الآخرين ؛ .. وحبذا التذكير بأن الأمور بمقادير ؛
وأن الله شديد العقاب وهو إلى جانب ذلك غفور رحيم ، وأن عمر الفرد يُعـدُّ ثوانٍ في حياة الأمم ، وأن الله لا يُكلف نفساً إلا وسعها ..!