الباحث الدؤوب الاستاذ سمير الشريف
تذكرت هنا ما قاله الكاتب الرائع "عبد الله البردوني" في كتابه "أشتات" تحت عنوان "الناس الذين ينمّيهم الموت" ص 136؛
لكل شي مرغم على المغالبة والمعاركة، لان لكل شيء روحا يحفظ بقاءه ويدفعه هذا الروح الى المغالبة دونه... الشجرة تغالب الشتاء بسياط رياحه وانهمار ثلوجه، وبرغم تعريها وتشققها يختبيء فيها سر الربيع لكي يتبرعم في ميعاده، حتى اصبح عنف الشتاء ضرورة اخصاب وتجديد، لان الشجرة لا تخضر وتثمر الا اذا خلعت كل اوراقها البالية ولا تسمق الا اذا خلصتها الفؤوس من زوائدها ومن طفيلياتها ... والانسان شقيق طبيعي للنبات ... !
وكان ذلك الكلام تمهيدا من الكاتب لكي يقول أخيرا:
تستمر القاعدة ذاتها إذ يبقى الثائرون ويسقط القتلة، فاذا كانت الصهيونية مدينة للعنف عليها - من قبل النازية - فسوف تكون ضحية عنفها على الآخرين، وتنقرض كما انقرضت النازية التي كانت سببا في تنميتها كقومية ، ثم كدولة... صحيح أن الصهيونية صدرت عن نظر فلسفي ولكن اختلفت أيام "هرتزل " عن زمن "بيجن" ... لقد حاولت الصهيونية كوحشية ولادتها الوحشية، أن تقتلع شعب "فلسطين" من جذوره... ولكن هل تستطيع ان تمنع هذا الشعب من ان يجذر نفسه من جديد، ويمد قامته أمام كل الرياح؟
إن العنف الذي خلق "إسرائيل" هو الذي سوف يعملق القامة الفلسطينية ، لان المجتمع الفلسطيني يتميز عن سائر الشعوب العربية، فقبل احتلال "فلسطين" كان أطباؤها اشهر الاطباء وباحثوها اقدر الباحثين ومهندسوها اوسع خبرة، ومترجموها من اللغات احذق المترجين، ولما عصفت بتلك الديار نكبة الاحتلال بقي التفوق الفلسطيني كثير الازدهار في اكثر من مكان، فعلماؤها في كل مجالات التخصص اشهر العلماء وأدباؤها في كل اجناس الادب المع الادباء قسمات وروائح... فهل يمكن أن يباد هذا الشعب؟
لقد اراد الاستعمار العالمي اقتلاعه من جذوره ، فتجذر في كل مكان لكي تصل عروقه وقامته الى موطنه، ولقد زادته المحن تشذيبا وتقليما لكي يزداد خصبا وسموقا .. ومنذ حزيران الى الان صمدت الثورة الفلسطينية بين مختلف العواصف، ارادت قوةٌ تحجيمها فزادت من حجمها ، وأرادت القوات الشقيقة ان تسهل ابتلاعها ، فكانت اكبر من حلوق المحتلين والمحجمين... إن هذه القوة الفلسطينية كغيرها من القوى الثائرة يزيدها القتل نموا واتساعا ، كأنما الموت بستاني ماهر يجيد تشذيبها لكي تزكو عروقها ، وتفرع جذوعها واغصانها، أما قدم صيف عام 82 م في جنوب لبنان اروع الامثال على عظمة الثورة الفلسطينية، لقد ثبتت وحدها اكثر من ثبات سبعة جيوش، وحققت وحدها من النصر والمقاومة اكثر ما حققت الجيوش السبعة، لان المسالة نقاوة لا كثرة... فاذا وافقت إسرائيل على الانسحاب من جنوب لبنان – وان كان جزئيا- فبفضل قتال المقاومة الذي لا يهدأ.
اذن فقد تاكد استحالة إبادة الفلسطينين وتراءت امكانية انقراض اسرائيل كعادة القتلة ، لأن القتلة بحكم الله ينقرضون على حين ينموا الشهداء بالشهادة، وتخصب ذرية السيف لتتحقق الثورة العادلة وتنهار مشيئة العدوان، لان القوى الثائرة بمنطق التاريخ لا تنتهي، قد تضعف ولكن لا تخمد، قد تقف ولكن لا تتراجع، قد تنتكس ولكن لكي تنطلق ... واذا تعطلت قوة ثائرة فهذا يرجع الى نقص في ثوريتها لا الى قدرة في القتلة ، لان القتلة مقتولون ، اما المقاتلون فمنتصرون.
لان هذا النوع من الناس ينميه الموت كما ينمي عنف الثلوج أشجار البساتين وعضوية التربة.
وعليه، أقول :
ليسمع الصهاينة وأمريكا، وكل من ينبح لهم، ويأكل العظام من وراءهم... وكل القتلة في العراق وفي فلسطين وهنا وهناك ...........!
تحياتي وتقديري ....