(35): تهافت نهاية التاريخ أسبابه وأبعاده
حسن خليل غريب فوكوياما يعلن تهافت «نهاية التاريخ» عند المحافظين الأميركيين الجدد
أُحيي الأخويين كاتب وناقل المقالة ، وأُرحب بهما وأستأذنهما بوضع بعض علامات الاستفهام والتحفّظات -التي لا يمكن للقارئ أن يتجاهلها - حول الرسالة الفكرية التي يمكن قراءتها في هذه المقالة .!
حيث تدور فكرة المقالة ورسالتها حول : فوكوياما ، والمحافظين الجُـدد بأميريكا ، والمقاومة العراقية .! والعلاقة بين هذه العناصر .!
ولأننا هنا في ملتقى الواحة -لاسيما بواحة الفكر - نسعى لإبراز هويتنا العربية ورسالتنا الفكرية الإنسانية الإسلامية في صورة عالمية جديدة قادرة على المنافسة في ساحات الفكر والأدب والثقافة ؛ لذا وجب علينا أن ننتقد أنفسنا ونُـصحّح رسائلنا الفكرية قبل أن نُنتقد من الآخرين ، وقبل أن يُظَـنَّ بنا أننا نسخة مُكررة من القوالب الفكرية العربية الجامدة المألوفة التي لا تقرأ الواقع العالمي ولا تتفاعل معه كما ينبغي ، فعجزت بذلك عن فعل التغيير الذي ما انفكت تَعِـدُ به الأمة .!
الأخوة الأفاضل :
- فوكوياما ليس سياسياً ، وإنما هو كاتب ومُفكّـر أمريكي من أصل ياباني (كما هو الحال مع بعض المفكرين المسلمين الأمريكيين من أصول عربية ) ، وقد كان فوكوياما أحد المفكرين والمُنظّرين الأمريكيين الذين وقّـعوا على خطابٍ موجَّهٍ للرئيس الأمريكي السابق (كلِنتون) بضرورة تنحية (صدام حسين) لأنهم يرونه رمزاً بارزاً من رموز الدكتاتورية والفاشية (أي قبل ظهور المحافظين الجُـدد) .! ولا يُمكننا هنا أن نتجاهل الطائفة الكبيرة جداً من الشعب العراقي -داخل وخارج العراق -التي كانت تسعى وتتمنى زوال رأس وفكر النظام العراقي آنذاك وتصفه بالمجرم - بالضبط كما كان يفعل ويُفكّر فوكوياما .!
ويجب أن نذكر هنا أيضاً أن فوكوياما كان قد عارض الكيفية التي انتهجها المحافظون الجُـدد للإطاحة بنظام صدام حسين ، أي أنه عارض الغزو العسكري للعراق منذ العام 2003 (أي قبل ظهور المقاومة العراقية) ، وكان قد صرّح آنذاك أنه سيُصوّت ضد إعادة ترشيح بوش العام 2004 .!
- المقاومة العراقية التي يجري الحديث عنها ، (مع احترامنا وتقديرنا الكبير للتضحيات النبيلة منها ) إلا أنها لا تعدو- في كثير من أوجهها - أن تكون تفجيرات عشوائية هنا وهناك لا تُفـرّق بين عراقي وأمريكي ، وقد أضرّت تلك المقاومة بالشعب العراقي ووحدته -أكثر مما تضرّر بها الأمريكيون . وهي إلى جانب ذلك تفتقر إلى الواجهة السياسية والفكرية المفهومة ، و تفتقر إلى الصبغة العراقية الخالصة والمُوحّـدة ، كما أنها لم تحظَ بالإجماع والتأييد الشعبي لها .!
- المُحافظون الجُـدد يجب ألا نحسبهم على الشعب الأمريكي ولا على المُفكّـر الأمريكي ، فهم قد أضرّوا بمصالح ومكانة أميريكا ، بنفس القدر الذي أضرّوا فيه بالشعوب الأخرى وبالمكاسب الإنسانية الحضارية للعالم أجمع .!
( يجب التفريق بين فشل المحافظين الجُدد بسبب سوء سياساتهم وبسبب كثرة أعدائهم ، وبين تراجع فوكوياما عن تأييده لهم بعد أن اتضح له الفرق الكبير بين فكره وحقيقة توجهاتهم -الأمر الذي حصل قبل هزيمتهم وقبل ظهور المقاومة ) .
فإذا كان فوكوياما قد عبَّر عن شوفينيته بمصطلح «الإنسان الأخير» الذي يعني الإنسان الذي يؤمن بالإيديولوجيا الرأسمالية المعاصرة، فإن غيره قد عمَّم مصطلحات أخرى تحمل المفهوم ذاته، شكلاً وروحاً، كمثل تفوق «الرجل الأبيض»، أو«خير أمة أخرجت للناس»، أو«شعب الله المختار»، أو«صفاء العرق الآري»، و... و...
في هذه الجزئية من المقالة يوجد خلط فكري وتشبيه غريب - غير مُنصفَين .! يجب التنبّه لهما .!
ومن قبيل الحظ أن شعب الولايات المتحدة الأميركية هو الذي يدفع من جيبه ومن دمه، و إلاَّ لكانت كل الجرائم التي يرتكبها أباطرة الشر الأميركيين، مدعومين بأباطرة المافيات عابرة القارات، نسياً منسياً.
هنا مغالطة أخرى في حق الأحرار والمنصفين من الشعب الأمريكي . حيث أننا نعلم جميعاً أن الحرية التي يتمتع بها الإعلام الأمريكي ، ووجود المتحضرين والمنصفين والشرفاء من الأمة الأميريكية هو ما أدى إلى كشف الجرائم في سجن أبوغريب - مثلاً ، وقد كان ذلك في أوج غرور المحافظين الجدد بنصرهم في العراق ، وفي أوج دعم الشعب الأمريكي لهم ( مدفوعاً بصدمته من أحداث سبتمبر 11 \ 2001 ) .
فليس من الإنصاف أن نُحيل كل إيجابياتهم وتضحياتهم إلى الحظ والصُدف .
فإذا كانت الحضارة المادية، التي أنجزت خطوات نوعية ومتقدمة لخير البشرية، هي المقياس الذي كال به فوكوياما نظريته، وجعلته على مقدار من الانبهار، يسمح له بتعميمها وفرضها على البشرية، فهو قد قصَّر عن بلوغ الحقيقة لأن بناء تلك الحضارة لا يجوز أن يعطي الحق لأصحابها بالسيادة على البشر، فالله لم يأمر بسيادة شعب على شعب آخر تحت أي ذريعة كانت. وإذا كان العكس هو الصحيح فلِمَ خلق مع الإنسان، كل إنسان قيمة الحرية والعدالة؟
هنا تبرز إشكالية ذات طابع ديني وفكري ؛ حيث أن المتطرفين المسلمين الموجودين بقوة وبأعداد كبيرة -على الساحتين الفكرية والقتالية - الإسلاميتين - هم الآخرون يُنادون بغزو كل البلدان غير المسلمة ، ويعتقدون بضرورة سيطرة المسلمين بإسلامهم على العالم ، ويقولون بكل وضوح إنه على غير المسلمين أن يدفعوا الجزية للمسلمين - وهم صاغرون .!
فهل نتوقع من الآخرين أن يسمحوا لنا بامتلاك القوة التي سنستعبدهم بها .!
وبما أن فوكوياما ليس مسلماً ، فهو يعتقد من وجهة نظره (ومن حقه ذلك-كإنسان ) أن النظرية الرأسمالية التي أثبتت نجاحها على أرض الواقع في الاستقرار والتقدم والرفاهية لشعوبها -عن طريق الديمقراطية والحرية الفردية في الغرب ، وهي التي هزمت النظرية الشيوعية الاشتراكية -المنافس القوي لها .. يعتقد ويرى أنها الأصلح والأقدر على البقاء ، وأنها ستكون خيار البشرية وفق المعطيات المنطقية العملية على أرض الواقع .
ولا أعتقد أن مُفكّراً حُـراً بحجم فوكوياما قد دعا أو أنه سيدعو أو يُنظّـر لسيطرة شعب على شعب .!
ونحن سنعمل على دحض تلك الادعاءات، مستندين إلى العوامل ذاتها التي أوقفت مشروع اجتياح العالم. والعوامل ليست إلاَّ رزمة واحدة تجمعها عامل المقاومة والمواجهة، وعوامل المقاومة مستندة إلى عامل إنساني غريزي عنوانه الحرية والكرامة والاستقلالية الإنسانية.
هنا أودُّ التأكيد على ضرورة إعادة قراءة مفهومي نحن و المقاومة .! فالمقاومة من حيث المبدأ هي عمل شريف نبيل شجاع ، وهي حق لكل مظلوم - لا غبار عليه .!
أما نحن فهو مفهوم تعميمي كبير ، حيث أنه لا يوجد في العالم العربي والإسلامي إجماع على مفهوم (نحن) .
أما استغلال القاعدة وإيران لمأساة الشعب العراقي من أجل تمرير مخططاتهم وأفكارهم وأيديولوجياتهم ، ومن أجل تصفية حساباتهم مع أميريكا .. فهذا ما حصل على أرض العراق وخلط الأوراق ، وهذا ما شوّه المقاومة في العراق وجعل لها أكثر من تعريف وأكثر من هدف وأكثر من عدو وأكثر من نتيجة .!
علينا ألا ننسى وألا نتجاهل حقيقة أن الصراع والصدام بين بني البشر هو من سُنن الله ومن طبيعة البشر التي فُطروا عليها ، وأنه سيبقى إلى ما شاء الله ، وألا ننسى أن الكل يرفع شعار رفاهية الإنسان وحريته من أجل كسب ود الناس ودعمهم ، ولكن لا أحد يمكنه أن يكفل تحقيقه ، ولا أن يضمن استمرار الاستقرار والتعايش السلمي بين بني البشر -حتى داخل الوطن الواحد ، وأن الحكمة تبرز في كيفية إدارة الصراع بأقل خسائر وبأقل مساس بكرامة الإنسان ؛ أما حسم النزاعات البشرية بصفة دائمة وضمان الاستقرار والرخاء الأبدي والحياة الملائكية على الأرض - فذلك لم يأذن به الله ، ولا يجوز لإنسان عادي أن يـدّعي القدرة على تحقيقه .
يطول بنا الحديث في خضم هذه الأفكار والتباساتها .. فعذراً عن الإطالة .!
أهلاً بك أخي الفاضل \ محمد دغيدى