حدثوني عنك يوما ،كأنما هو كشف غطاء أولي عنك وعن عالمك،وكلما استرسلوا في الحديث تعرفت عليك أكثر فأكثر ،فالفضل لهم إذ يحدثونني بغية نسيانك فلا يزيدونني غير حب يؤكدونه وتعلق يثبتونه.ولو عقل حسادي لأقصروا عن الحديث هذا ،فوحق من سواك ،وبرداء الحسن أبداكِ ما فتشوا في خبايا نورك إلا أصابهم منه ما ينير ظلمة عالمهم.أما أنا فأنا منك بمنزلة جحد النسيان من تخيله ،وأنتِ مني بمنزلة قرار الوجدان من مستقره وممثله..
وحدثوني عنكِ تمتمةَ حاسد قدم لشانئه أعزَّ ما يطلب ويرجو..وأتاح لعدوه أحلى ما انطوت عليه الفرص والحظوظ.فما بالهم في الغي لا صحو ولا رشد !!.ألا لا عتب لديَّ على حسودٍ جائر ،ولا بعْد غادر ،أما الحسود فيطربني باسمك كلما ذكره ،وأما البعد فلم يزد على الشوق شيئا ،فشوقي هوهو بين القرب والبعد ،هوهو أضناه ظمأ القرب،وأشقاه لهيب البعد...
وهَبِي الحسودَ عني وعنك أكثر اللغَطَ ،وأثار الصخب ،وأرجف بالقول هل خفي عليه حبنا ؟؟أم هل جهل يوما أن توحّدَ الروح قدرُنا؟؟؟
وهل تنفس أحمدُ إلا وفي يقينهم أن ذاك اسمك لا نفسه خرج كهيئة النفس ..وهل كتب حرفا إلا والدنيا على يقين أنك باعثته...ملهمته...حبيبته...!!!
لا تعجبي أنْ صرتُ أفاخر بحسد الحاسدين منْ لم يستطعْ أنْ يسبقني إليك يوما من الأيام ،لكأنني بحبكِ ذلك الملك المزهو بملكه البارز فوق عرشه، المنتصر في سلطانه،كلما حدثتِني أو ناجيتِني أو جمعني بكِ زمن اللقاء المحبوب طفقتُ أكتبُ عنك للأيام أدبا لا يبارى سبقا،ولا يجارى تألقاً ،ولو شئتُ لزرعتُ الصفحاتِ باسقاتٍ من وصفك ،وحلية نعتك فحجَبَتِ الناظر عن غيرها ،واستقلت بالأديب الحاذق عن سواها،فلم يبصر على بعد نظره إلا أزاهيرها اليانعة.
فبالله عليك كيف لا يحسدني عليك منْ عرفكِ ،أو خبركِ ،أو رآك أو قرأكِ!!!بل كيف لا تسابقني إليك بتلات الورد الرائقة وهي التي حظيت بصفحة خدك مرقدا ومقيلاً!! ،فراعها نظري المتجول هناك يمنة ويسرة ،ويحها تشاطرني التهالك عليك ،واللهفة لرياض وجنتيك!!أفاتها أنكِ ملاكي أحسنَ الحظ أم أساء !!أم فاتها أنكِ إضافتي رغم تزاحم الإضافات حولي لتحظى الواحدة بهذه الياء الأحمدية ،فكنتِ أنتِ ياء روحي إضافةً وتمكناً.وهل فاتهم –ياملاكي-أنكِ تمييزي من جملة الآدمية قاطبةً ،فهم وإنْ اتسع بهم النطاق،وضاق بجمعهم مابين الأرض والسبع الطباق ..ليسوا إلا مجموعاً أنتِ واحدُه،وملكاً أنتِ رائدهُ،ومميزاُ عاماً أنتِ –ياروحي-تمييزُه وقائدُه ،وما تنكيرُ التمييزِ إلا لأنه الفردُ تاهت العقول في شوارده ،فغدا فوق المعارف كالمتمرد على سمة التعريف تمردا واضحا جليا ،يكبر على كل معرِّف ،وينبو عنه مستعلياً علوَّ السحاب على رؤوس الشواهق ،وأنتِ- يا فردَ السماتِ العالية،ويا دانةَ الفرائد الغالية –أنتِ كالتمييز تنوعتْ أزاهيره ،وتعددت أفانينُه ،فلم تقزِّمْكِ صفةٌ دون أخرى،ولم يسئم الناظرُ إلى خِلالك لكونها قليلةَ العدد،أو ضيقة الرِّحاب إنما زانه بستانُ خلُقك ،وراعته تشكيلةُ كمالك ،فحنى إليكِ عاتقَ القولِ مدحاً وثناءً ،وثنى إليكِ أعنَّة الحرف إشادةً واحتفاءً ..فكيف لا يحسدونني عليكِ ،وأنتِ تمييزهم بلا منازع ،وإضافتي بلا مشاركبل أنتِ- يا تيار الحياة في عروقي - مبتدأُ الحب في حياتي أخبرتُ عنه بأرقِّ عبارة ،وأندى كلمة ،فلو اجتمعوا على قارعة الحروف ليختاروا لك مرصعاً يهدونه إليكِ لما بلُّوا من محيط كلِمي شفةَ أقلامهم ،ولوَقفوا على ساحل الحرف كغوّاص انقطع حبلُه ،فصار بين إحجام وإقدام لا تقدما أنجز ،ولا تأخراً حصّلَ ...وبينما هم على ظهر ذلك القارب الخَرِقِ إذ غصتُ بكِ في لُججٍٍ ،وحلقتُ بك في سماوات بحر زاخر متلاطم ،أحرِّكُ الصدف بين أناملك الغضة تنتقين منها حلية جيدك،وأساور معصمك.
حبيبتي ..هاكِ من الشعر أحلاه وأغناه وأقناه،وهاك من النثر أجمله وأسبقه وأسمقه، لك وحدك يا محبوبتي أنطقتُ القمرَ شعراً فزاحمتْه المصابيح إنشادا ..وأنى لمصباح ضئيل بمزاحمة القمر وابتزازه!!..ولك وحدك –يا حب الأبد-رسمتُ اللجين على مبسم حرفي فسقاه من نمير الحب كوثراً معسولا،ووافاه بسلسبيل الشوق حتى غدا به والهاً نحيلاً..لكِ وحدكِ –يا سُلافَ الخاطر- لمستُ النور الوضاء فأهداني حزمةً من توهُّجه جعلتُها إطارَ كلِّ كلمة أهديتها عينيك يوما من الأيام.
حَسدُ الورودِ عليكِ من قُبُلاتـي ألأننـي سارقتُهـا النظـراتِ لو كنتُ أعلمُ أنَّ حمرة وردهـا من نظرتي جنبتُهـا الوجنـاتِ أرعى كما يرعى النسيمُ بساحها عُنَّابَ ذاك الثغـر والقسمـاتِ لونُ الشفـاه طبيعـةٌ محمـرّةٌ لم تعتـد الألـوانَ والصنعـاتِ ولِمَرْمرِ الخد الأسيـل لطافـةٌ كالماء يبدي ملمـسَ الراحـاتِ حسدوا وقالوا كيف صار حبيبَها و حميمَها ومجـاورَ الزفـراتِ منها ونبضَ القلب بل سقيا الحشا منها على مستنـزف القطـراتِ حسدوا يراعـي كلمـا أرسلتـه يهدي عذيب القول والهمسـاتِ حسدوا نحيبي يوم صرتُ يتيمها وصغيرها والبكر َفي عثراتـي حسدوا مسارقة التتبع لـو بـدا منها حضورٌ أو شـروقٌ آتـي حتى دموعي حوربتْ في سحِّهـا حَسَـداً لأن حنينهـا فـي ذاتـي حسدوا المواجعَ يا لطول جؤارها !مني وذكـرى همسهـا آهاتـي حسدوا الديارَ لأنها مـا أشرقـتْ إلا بهـا مزهـوّة العـرصـاتِ حسدوا القوافي لم تلامـسْ مـرةً إلا صباها الغضَّ في الساحـاتِ حسدوا حديثي شعـرَه أو نثـرَه بل جـدّه والنـوحَ والضحكـاتِ كلي لها رغم الحسود ورغم مـا قتلَ الغرامُ الغيـدَ مـن كلماتـي