Lما بت ليلة تأكل فيها قلبي كليلتي هذه, حين رأيت منكم مالا يُخطئهُ عاقل ولا يسفِّهُهُ حصيف رأي, فبت أغلي كمراجل أُشعلت في دار كريم لاتنطفئ؛ تحفزا وتحسبا لأي طارق.
أخدت مني الغيرة مأخذها ,وزاد من استعارها أنه ليس بالتصرف الخاطئ ولا بالشيء الممقوت ما حصل .
بت أغار من عيونكم لما ترمقكم في الحضر والسفر وأنا في حرمان .
وأغار من لُـفافة مهدك التي حوتك, حيث كانت حضنكم الدافئ في حين كنت في طور الغيب وعلم المجهول .
أعلم أن غيرتي قد جاوزت حد المعقول, وأخذ حدها يزداد بالعرض والطول.
إلا أنه القََسَمُ الذي لا أملك, فلا تلمني فيما لا أملك, وهو السيف الذي لا حول لي فيه ولا قوة فقد قسّم قلبي قبل أن يضربكم نصله, وحرّق نفسي قبل أن تصلكم جمرته.
وما وصلكم منها إلا فيح’ وما قرأتم منها إلا بوحا ,ولا جاءكم منها إلا ُفـتات رماد
عجبت لحالي حين أقدح من نفسي؛ لأصنع لكم مشعلا يضيئ لكم كهوف الماضي ومغاراته!!
, وكيف اني أقلب صفحات الماضي لأُقرأكم حروفا بلَتْ, ولم تعد مفرداتها تُنطق ولا عباراتها أن تكون جملة سليمة في الحاضر, كلغات اندثرت اليوم فلم يعد لها قارئ يجيد ولا كاتب يخط.
فاتهم حصاتي وأقول : وهل لي أن نبش الماضي اليباب بمحراث غيرتي؟
لعل ذلك يؤجج شوقا ويسعر نارا للماضي:
وصاحب الشوق القديم وإن تعزى مشوق حين يلقى العاشقينا .
فيرتد إلي بعض من عقلي لأتمتم: فإن عاد الحنين فهل هو الحنين للماضي؛ لكونه ولـّى,واسترقابه في الحاضر؟
أم هو ماض مرفوض في الحاضر؟
فإن كانت الأولى فما نفع حبٍ يحاول الإمساك بروح هائمة في سماء غيره ؟
وهل يُجدي الأرض الجافة وَبْلُ ديمة رَبيعية تهمي على رَبِـِعٍ مُخضرَة؟
وماكان لكرامة قلبي ناهيك عن كرامة عقلي أن ترضى ذلك. وإن كانت الثانية فليس لدي سلطان على ماضٍ ولى ولا رغبة لحاضركم برجوعه.
هل جنون غيرتي سحاب عابر ,لالا أظن ذلك ,بل هي مخلوق يسكنني منذ أن سكنني حبكم فلايزال يخرج ما بين الفينة والفينة كلما رأى نار الماضي تصطلي فيكم فيخرج من بين أضلعي كوحش استيقظ ’لا ينهشكم إلا بقدر ما نهشني ؟
ولمَ كانت الغيرة عيبا في النساء وفخرا للرجال؟
ولمَ تتباهى بغيرتك عليّ, وتعيبني إذا غرت عليك؟ .
قطّعتَ مني أوصالا, ونهشْتَني, حتى جردتني عن كل ستر.
ثم لا تلبث أن تواريَّ علي من مَفائِض عطفكم وجنائِن صدروكم كسوة من استبرق وسندس .
وما طفقت غيرتي تخصف من غضبي إلا حين سمعت حشرجة صوتكم عند استرسال النفس في مرابع الماضي القريب البعيد وتَلبَسهُ نبرة الوجل المخنوق بحلاوة تلك الأيام , المُنتهي بمرارة الختام .
ودمعكم المستور برداءالأنفة ا, والكبرياء المطرز بخيوط العهد الذي قطعتموه على أنفسكم قبل شروق عهدنا .
على الرغم من تقولكم بنسيان ذاك العهد, وزوال ذاك الود إلا أننا نجد فيكم ريحه وآثاره لولا أن تفندون .
وماهذا بخيانة منكم ,إلا أن طبع الشخص الوفي والحر الأبي الذي يرفض استمرار الماضي المرفوض في الحاضر.
وإن تعجب من غيرتي فالعجب الأكبر ممن رآكم أو سمعكم ولم يعشقكم ,وقرأ بيانكم ولم يأسره, وإبائكم فلم يأمره قلبه بالهوى.
تساءلت كثيرا, إن شرعه الحب حب الجمال ,وأنتم أصحابه بل ينابيعه ومظانه فيكم وعندكم .
فلا بد لناشد أو شادٍ رحله ورحاله إلى مرابع الجمال أن يفتتح بكم ويُربِـع في أرضكم وإلا ما وصل لجمال قط .
وبعد هذا كله يتجددالسؤال:
وكيف لا أغار عليك ولو من هشيم ذكريات ؟