نُبُوءَاتُ الجَائِعِينللشاعر : أيمن العتوم
(1)
سَتَمُرُّ أَعْوَامٌ كَأَعْوَامِ الرَّمَادَةِ في بِلادي
لا شَيْءَ غَيْرَ الجُوعِ ... وَالفَحْشَاءِ ...
وَالأَحْزَابِ ... وَالفِرَقِ العَدِيْدَةْ
سَيَمُرُّ مَنْ أَكَلُوا التُّرَابَ عَلَى البَيَادِرِ
ثُمَّ يَبْتَدِئُونَ أُغْنِيَةَ الحَصِيْدَةْ :
نَحْنُ العَجِيْنَةُ لِلْحُكُومَاتِ الرَّشِيْدَةْ
وَسَيَهْتِفُونَ بِرُوحِ قَائِدِهِمْ وَأَيْدِيْهِ المَدِيْدَةْ
وَسَيَجْلِسُونَ عَلَى الحَدِيْدَةْ
وَسَيَهْتِفُونَ ... وَيَهْتِفُونَ ...
فَمَا أَجَادُوا غَيْرَ تَصْفِيْقٍ لأَصْحَابِ السَّعَادَاتِ السَّعِيْدَةْ
وَسَيَشْرَبُونَ دِمَاءَ عِزَّتِهِمْ
وَيَقْتَتِلُونَ مِنْ أَجْلِ الكَرَامَاتِ الفَقِيْدَةْ
وَتَنِزُّ مِنْ جُرْحِي عَلَى جُرْحِي إِلى جُرْحِي القَصِيْدَةْ
مِنْ أَيْنَ تَبْدَأُ في بِلادِ الخَوْفِ سَابِقَةٌ حَمِيْدَةْ
يَا ثَوْرَةَ الجُوعِ الـمَجِيْدَةْ
يَا ثَوْرَةَ الشُّرَفَاءِ لا ... لا أَصْفِيَاءَ هُنَا ...
تَفَرَّقَ بَيْنَنَا لَحْمُ القَبَائِلِ ...
كُلُّنَا في الـمَعْمَعَةْ
لا أُرْدُنِيُّونَ انْتَهَوْا ...
سَقَطَتْ عَبَاءَاتُ العَشِيْرَةِ
وَانْتَهَى شَعْبٌ تَمَرَّسَ في النِّضَالِ لَهُمْ وَوَاجَهَ مَصْرَعَهْ
هُمْ يَشْرَبُونَ مَدَامِعَهْ
وَيُوَقِّعُونَ عَلَى انْتِهَاءِ الـمَوْقِعَةْ
وَسَيَقْرَعُونَ لِنَخْبِهِمْ حُمْرَ الكُؤُوسِ الـمُتْرَعَةْ
هُمْ ضِدَّهُ أَبَدَاً ...
وَأَكْثَرُ مَا يُعَذِّبُ أَنَّهُمْ حُسِبُوا مَعَهْ
(2)
حَقٌّ يَضِيْعُ وَلا يَعُودُ
الحَقُّ يُنْتَزَعُ انْتِزَاعْ
هَذَا أَنَا ...
شَعْبٌ يُعَذَّبُ في السُّجُونِ بِغَيْرِ ذَنْبٍ
ثُمَّ يُسْلَبُ دُونَهُ حَقُّ الدِّفَاعْ
هَذَا أَنَا ...
دَمْعِي ، دَمِي ، أَهْلِي ، بِلادِي ...
كُلُّهُمْ رَهْنُ الضَّيَاعْ
هَذَا أَنَا ...مَا زِلْتُ أَعْرِفُهُمْ
لَقَدْ خَرَجُوا جَمِيْعَاً مِنْ جُحُورِ الغَرْبِ
قَدْ شَرِبُوا حَلِيْبَ الغَدْرِ مِنْ ثَدْيِ الضِّبَاعْ
لَمْ يُنْكِرُوا أَبَدَاً ...
وَأَجْبَنُهُمْ تَعَرَّى مِنْ نُصُوصِ الدَّوْرِ فَوْقَ المَسْرَحِ القَوْمِيِّ
أَعْلَنَ أَنْ لَهُ نَسَبَاً يَمُتُّ لِقَيْنُقَاعْ
وَتَبَرَّأَتْ مِنْهُ ثِيَابُ النَّاسِكِيْنَ ...
وَفَارَقَ الوَجْهَ القِنَاعْ
هُوَ يَا أَبِي ...
أَنَّا سُحِبْنَا ــ دُونَ أَنْ نَدْرِي ــ لِسَاحَاتِ النِّزَاعْ
هُوَ يَا أَبِي ...
قَدَرٌ يُلاحِقُنَا وَمَا عَلَّمْتَنِي مَعْنَى الرُّجُوعِ وَلا الخُنُوعِ
بَلِ انْدِفَاعٌ لانْدِفَاعْ
هُوَ يَا أَبِي ...
لَيْلٌ وَجِئْنَا كَيْ نَكُونَ لَهُ الشُّعَاعْ
البَحْرُ هَاجَ بِنَا ...
السَّفِيْنَةُ ضِدَّنَا ...
الأَمْوَاجُ تَبْلَعُنَا ...
يَدُ الأَرْيَاحِ تَرْفَعُنَا ... وَمَا ارْتَفَعَ الشِّرَاعْ
إِنَّا نَهُمُّ غَدَاً بِتَأْصِيْلِ الوَدَاعْ
(3)
مِنْ أَيْنَ قَالُوا عَنْكَ تَقْتُلُهُمْ ...؟!
وَفي كَلِمَاتِكَ الخَضْرَاءِ رَائِحَةُ الحَيَاهْ
مِنْ أَيْنَ قَدْ سَحَبُوا اعْتِرَافَاً مِنْكَ
أَنَّكَ ضِدُّ تَشْرِيْعِ الإِلَهْ ؟!
وَهُمُ الذينَ يُحَارِبُونَ اللهَ وَالتَّارِيْخَ وَالشَّعْبَ الضَّعِيْفَ
وَيَسْكَرُونَ عَلَى دِمَاهْ
مِنْ أَيْنَ صَارَتْ كِلْمَةُ الأَحْرَارِ خَائِنَةً ...
وَصَارَ الشِّعْرُ جُرْمَاً ...
وَالقَصِيْدَةُ قُنْبُلَةْ ؟!
مِنْ أَيْنَ صَارَ الحَرْفُ سَفَّاحَاً ...
وَصِرْتَ المُشْكِلَةْ ؟!
هُوَ أَنْتَ يَا وَطَنِي ...
وَأَمْرٌ كُلَّمَا حَمَلُوا عَلَيْكَ حَلَفْتَ أَلاَّ تَحْمِلَهْ
هُمْ يَطْعَنُونَكَ في الظُّهُورِ
وَأَنْتَ تُهْدِيْهِمْ دِمَاءَكَ وَرْدَةً وَقُرُنْفُلَةْ
هُمْ يَزْرَعُونَكَ بِالجَرَادِ وَيَحْصُدُونَكَ سُنْبُلَةْ
آَهٍ تُرَى لَوْ أَنْصَفُونَا
أَنْتَ يَا وَطَنِي : شُعُوبٌ غِرَّةٌ وَالَتْهُمُ سَبْعِيْنَ عَامَاً
ثُمَّ سِيْقَتْ كَالخِرَافِ ذَلِيْلَةً لِلْمَقْصَلَةْ
هَلْ يُؤْثَمُ المَوْتَى إِذَا مَاتُوا
وَهَلْ يُجْزَى عَلَى الجُوْعِ الجِيَاعْ ؟!!!
هَلْ يُمْنَعُونَ مِنَ الوُجُودِ وَيُوجَدُونَ عَلَى امْتِنَاعْ ؟!!
الوَاقِفُونَ عَلَى الرَّدَى ... وَالبَاصِمُونَ عَنِ اقْتِنَاعْ
(4)
أَطْلِقْ خِرَافَكَ في الشَّوَارِعِ
كَمِّمِ الأَفْوَاهَ وَابْتَدِئِ الـمَسِيْرْ
في ظِلِّ قَافِلَةِ الشَّعِيْرْ
سِرْ لا تَقِفْ
سُبْحَانَ مَنْ أَعْطَى لَقَدْ جَمَعَتْ مَطَالِبَنَا الصُّدَفْ
هِيَ مِثْلُنَا سَتَظَلُّ تَحْلُمُ بِالعَلَفْ
لَكِنَّها قَرِفَتْ مُطَالَبَةَ الحُكُومَةِ بِالشَّعِيْرِ
وَلَمْ يُفَارِقْنَا القَرَفْ
يَا خَيْرَ مَنْ خَلَفُوا لأَفْضَلِ مَنْ سَلَفْ
صِحْ بِالمَقَادِيْرِ التي سَلَبْتَكَ حَقَّكَ
رُدَّ بِالصَّاعَيْنِ صَاعْ
حَتَّى الخِرَافُ إِذَا تَجُوعُ تَقُولُ مَاعْ
قُلْ أَنْتَ : مَاعْ
فَلَقَدْ تَرَهَّلَ حَالُنَا مِنْ حَالِ مَنْ حَكَمُوا وَمَاعْ
وَلَقَدْ تَخَوْزَقْنَا
وَلَيْسَ لأَيِّ خَازُوْقٍ يُدَقُّ مِنَ اقْتِلاعْ
(5)
يَا أَيُّهَا الجُلَسَاءُ في قَاعَاتِ قُرْطُبَةٍ وَرُومَا وَالخَلِيْجِ
وَدُوْرِ آَخِرِ سَاعَةٍ في اللَّيْلِ
قَبْلَ الصِّفْرِ مِنْ هَدْمِ القِلاعْ
سَأَقُولُ : لا تَقِفُوا اسْتَمِرُّوا في النِّقَاشَاتِ المُفِيْدَةِ
وَاسْتَعِدُّوا لِلْقَنَابِلِ في بَيَانَاتٍ أُعِدَّتْ
قَبْلَ تَوْزِيْعِ النُّصُوصِ وَقَبْلَ تَفْرِيْخِ الخِدَاعْ
إِنَّا مَلَلْنَا الزَّيْتَ في كَاسَاتِكُمْ ...
وَالزَّيْفَ في أَفْوَاهِكُمْ ...
وَالأَسْوَدَ المَسْمُومَ في الوَرَقِ المُذَاعْ
لَسْنَا حُضَورَ تَفَاهَةٍ ... تَلْهُو بِنَا الأَحْزَابُ
وَالجَبَهَاتُ تَنْقُلُ فِكْرَنا بِالهَاتِفِ النَّقَّالِ
مِنْ بَحْرِ اجْتِمَاعٍ لاجْتِمَاعْ
هِيَ ثَوْرَةٌ ...
لا حَلْبَةٌ لِلثَّوْرِ يَرْأَسُنَا فَيَتْلُو نِصْفَ سِفْرِ الذُّلِّ
وَالبَقَرَاتُ تَفْرَغُ لاسْتِمَاعْ
هِيَ ثَوْرَةٌ ...
لا ثَرْوَةٌ تُجْبَى لِزَخْرَفَةِ المَكَانِ ...
وَلانْدِهَاشِ الحَاضِرِيْنَ ...
وَلامْتِلاءِ الآَكِلِيْنَ ...
وَلامْتِثَالٍ وَانْصِيَاعْ
يَا أَيُّهَا المَزْرُوعُ في قَلْبِ العُرُوبَةِ ...
أَيُّهَا المَطْعُونُ بِالحُزْنِ الدَّفِيْنِ ...
المُوْلَعُ ... المَهْوُوْسُ بَالعَرَبِ ... المُعَبَّأُ بِالْتِيَاعْ
غَيِّرْ مَكَانَكَ ... فَجِّرِ الرُّوْتِيْنَ ... أَشْعِلْ صَفْحَةَ المُتَآَمِرِيْنَ
وَنَكِّسِ الأَعْلامَ لِلْمُسْتَسْلِمِيْنَ ... وَرَاجِعِ التَّارِيْخَ
تَعْرِفْ كَيْفَ تُرْتَجَعُ البِلادُ ...
وَكَيْفَ تَلْتَهِبُ البِقَاعْ
لا تَلْتَفِتْ أَبَدَاً لِخَلْفٍ
ضُمَّ مَوْطِنَكَ الكَبِيْرَ عَلَى الصُّدُورِ وَجَهِّزِ الرَّشَّاشَ ...
أَحْرِقْ بِالرَّصَاصِ الآَنَ وَجْهَ الرَّاجِعِيْنَ إِلى الوَرَاءِ
وَمُدَّ مَوْتَاً مِنْ ذِرَاعْ
هِيَ أَرْضُكَ السَّمْرَاءُ ...إِمَّا أَنْ تَمُوتَ لأَجْلِهَا
أَوْ لا تَمُوتَ ... كِلاكُمَا لِلْمَوْتِ ...
لَكِنْ أَنْتَ لَنْ تُشْرَى وَأَرْضُكَ لَنْ تُبَاعْ
قِفْ في وُجُوهِ الظَّالِمِيْنَ مُدَجَّجَاً بِالزَّحْفِ نَحْوَ الشَّمْسِ
هَذِي الشَّمْسُ تَهْوَى صُفْرَةَ الثُّوَّارِ
فَاحْمِلْ آَخِرَ الأَنْفَاسِ وَاصْعَدْ وَارْتَفِعْ ...
هَذَا زَمَانُ الإِرْتِفَاعْ
يَا أَيُّهَا الـمَحْمِيُّ بِالـمَوْتِ الجَمِيْلِ
تَحَزَّمِ المُتَفَجِّرَاتِ اللاَّهِبَاتِ تَجِدْهُمُ مِزَقَاً
وَدَوْلَتَهُمْ مَتَاعْ
لا حَلَّ إِلاَّ القَفْزُ فَوْقَ النَّارْ
هُوَ يَا أَبِي قَدَرٌ يَجِيْءُ غَدَاً وَلَنْ يُجْدِي الفِرَارْ
هُوَ يَا أَبِي ...
قَدَرٌ يُحِيْطُ بِنَا يُلاحِقُنَا ...
وَلَنْ تَخْشَى نُبَاحَ الكَلْبِ قَافِلَةُ السِّبَاعْ
[line]
هذه قصيدة جديدة.. تعبر عن وجدان أمة بأسرها.. تعري الوجوه.. وتكشف المستور..
بانتظار ردودكم عليها..