غزة الصامدة بين ارتعاش الحياة
وارتعاش القرار
قررت منذ فترة الكف عن الكتابة ونسيان العالم من حولي إلا من خيط رفيع يمثل علاقتي به بأموري الضرورية للحياة ، والتفرغ لسكينة الذات في عبادتها وقراءتها وتأملها ,في عالم لم يعد يمثل لي سوى لوحة من العبث واللامعقول.
، لأن ضميري مثقل بتساؤلات لم أجد لها أجوبة ، تساؤلات مغلفة بحزن مقيم لا يبرح الوجدان .
ولكن ما حدث في غزة والحدود المصرية استفز قلمي فساقني أمامه كي أفرغ ما اهتز به الضمير .
منذ متى والصمت على الظلم يمحو الظلم أو يسكت المظلوم ؟ منذ متى والسكوت عن الفضيحة يمحو آثارها ويدفنها للأبد؟
منذ متى والإغماض عن رؤية الأشياء ، ينفي وجودها من حولنا . منذ متى وإغفال الأحداث والحقائق على الأرض ، يجعلها تنطفئ ولا تتفاعل ولاتتوهج ولاتنفجر؟ لماذا لا يتعلم حكامنا من التاريخ؟
سأبدأ من نقطة لا هي سياسية ولا فئوية أو مذهبية ، بل سأنطلق من نقطة إنسانية، لكون الإنسان ومصير الإنسان هو أغلى ما في الوجود ، وهي حقيقة لا يتحكم فيها سوى من خلق هذا الإنسان ، الله ذو القوة المتين. صاحب الحق في الخلق من عدم والإفناء إلى العدم.
غزة الجائعة المريضة الجريحة الثكلى، ترزح تحت ظروف سياسية محلية ودولية خانقة ، وكأن العالم قد فقد ضميره ، كل هذا من أجل حفنة من المستوطنين يسقطون هنا وهناك ، بفعل صواريخ بدائية، التي هي رد فعل مظلوم ، ورد فعل صاحب حق مختنق ومحاصر ، وفق إمكانيات هي بالمقاييس العلمية ، تحت الصفر ، لبشر يدافع عن وجوده في أرض يمتلكها منذ أن خلق الله الأرض ومن عليها وسوف يظل يمتلكها إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها إن شاء الله.
بين ارتعاش الجوع ، وارتعاش العطش وارتعاش المرض وارتعاش الاحتضار ، لمليون أو يزيد من البشر ، لم يجدوا مصرفا سوى اقتحام الحدود ، فهل كان لابد من تفجيرالحائط الحديدي ، كي تصحو الحكومة المصرية ؟ ثم ليأتي قرارها مرتعشا ومغلفا بتصريح بأنها لا تقبل بالعقاب الجماعي وأنها تفعل كل ما في وسعها كي تلبي الحاجات الإنسانية للشعب الفلسطيني؟!!!!!!!
كان يجب أن يصدر القرار من فترة طويلة ، بعد الصرخات الدبلوماسية التي لم يستجب لها أحد ، وكان يمكن حينئذ أن يكون للقرار وجاهته ، وتأكيده لدور مصر في دعم الشعب الفلسطيني الذي تحدث عنه تصريح الخارجية المصرية ، أكان من الضروري أن يشق النسوة الحجر؟ وأن يصرخ الأطفال ويرتموا على عتبات الحدود مع مصر ، كي تنتبه مصر لدورها القومي؟
منذ ما يقرب من الشهور الأربعة وتحاول إسرائيل ، التي تسببت في المأساة في غزة ، أن تحمل مصر مسئولية هذه الكارثة ، فكان أولى بمصر أن تسارع إلى رد الصاع صاعين وبدبلوماسية أيضا ، وأن تقرر فتح الحدود بشكل منتظم لثلاثة أيام أسبوعيا ، وأن تدعو جميع هيئات الإغاثة المحلية والعربية والدولية إلى سيناء ، لدعم حشود المعدمين ، وتفضح يذلك إسرائيل وأمريكا أمام العالم كله ، وبدبلوماسية أيضا ، وكان يمكن ساعتها أن نقول وبكل فخر ، أن مصر لا تقبل العقاب الجماعي ، وأنها تعمل ما في وسعها لنصرة الشعب الفلسطيني الشقيق.ودون الخوف من الدخول في حرب ، وهو الهاجس الذي يشل قرار القيادات المصرية ويعطل تفكيرها ، الأمر الذي يجعل قراراتها مرتعشة وتأتي بعد فوات الأوان.
لماذ نحيا أسرى للظروف الدولية ، ولا نغير نحن هذه الظروف ونخلقها على الأرض ؟ لماذا لا يتكلم أرباب السياسة وأساطين البلوماسية الراقدون على عتبات البيت الأبيض؟ لماذا لا يشرحوا لسادتهم حكم التاريخ وسنن الكون؟ لا يمكن ليد مهما بلغت من القوة أن تقتل شعبا بأكمله.
وربما تنتابني بعض التساؤلات ، هل كان لإيران دور في إيجاد المبرر لمصر والمسوغ لها ، هل أوحت إيران لحماس أن تفجر الحوائط الحديدية ، وأن تدع الجياع( المعدمين الوحشين الهمجيين الإرهابيين) يمرون كي يصبح فتح الحدود وكأنه عمل اضطراري من قبل مصر يحفظ ماء وجهها أمام إسرائيل وأمريكا ؟
والتساؤل الثاني ، لماذا سارعت الحكومة المصرية اليوم 25 من يناير في إصدار قرار بمنع استمرار الدخول اليها وغلق الحدود؟ هل هناك ضغوط أمريكية في هذا الصدد؟
ثم ما هذا الاستغراب الذي تبديه إذاعات العالم خاصة البريطانية والأمريكية ، من أن الناس يشترون ! فمن أين لهم بالنقود؟ ومذيع آخر يسأل :هل تأكدتم أنهم يشترون فقط حاجاتهم الأساسية؟ ويستغرب آخر من أن بعض الفلسطينيين قد اشترى ثلاجة وخلاطا !!!! وكأنهم محكوم عليهم ألا يوفروا من قوتهم اليومي شيئا لأيام سود قادمة ، وكأنهم لا حق لهم في أن يعيشوا أبسط أنواع الحياة كغيرهم من البشر على وجه الأرض !!!
وهم الذين ولدوا وعاشوا وتربوا في رحم المأساة الإنسانية لشعب نهبت أرضه دون رغبته و زرع فيها بالقوة رعاع (يهود الخزر) من شتى بقاع المعمورة ،وكأن العالم يتخلص من موبقات اليهود على حساب شعبنا الفلسطيني في نكبة لم يعرف لها التاريخ الإنساني مثيلا .
كنت أتمنى أن تلبي الهيئات الشعبية والأحزاب صرخة غزة على الحدود ، وكنت أتمنى ألا يتحول الأمر إلى مصالح بزنس ورفع أسعار وعملية امتصاص أخ لدماء أخيه. وكنت أتمنى ألا يتم التعامل مع البسطاء من وجهة نظر أمنية جافة.
أفيقوا !!!! فللشعوب كلمتها ، وللإنسان قراره ، مهما كان هذا الإنسان بسيطا ومعدما ومحتلا بيته ومنهوبة مقدراته ، في جزيرة من الصمت الرهيب والتآمر المدروس من الجميع ، أفيقوا فربما صرخة كانت بداية الإعصار.
وأقول لمن يلوم الفلسطينيين لماذا لم يقتحموا الحدود الموازية مع العدو؟ ولماذا اقتحموا حدود مصر؟
يكفيهم شرفا أن ارتموا على عتاب أخوة لهم لا عتبات أعدائهم.
ويكفينا حزنا وخجلا أننا لم نفتح لهم الأبواب برغبتنا.
(مكره أخاك لا بطل.)
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.