تأملت حالي فساءني مآله، بحثت عن الجاني فكاد يخفى علي لولا أن ﺬكرني قوله تعالى : (ﺇن النفس لأمارة بالسوء) سورة يوسف : الآية،35. فخاطبتها قائلة׃ أيا نفسٌ كفاكِ حمقا وغفلة، متى تعودين إلى رشدك وتجنبينني عاقبة أخطائك؟
أجابتني مستغربة : عن أي حمق وأي غفلة تتحدثين؟ أنت من الكُمّلِ وأنا من أوصلك إلى ذلك.
قلت لها ׃ أتسخرين مني، أين الكمال؟ أنا في الثرى وأنّى لي بالثريا ؟ تعالى صوتها بقهقهة طويلة، ثم نظرت إلي من طرف خفي ولاﺫت بالفرار، ناديتها كثيرا لكنها أبت اﻹجابة واختبأت...
بين الحيرة والعزم على الانتصار...
جلست وحدي طويلا أفكر في وسيلة ﻹحضارها ﻓﺇذا بالحديث القدسي يخطر ببالي، فيما يرويه الرسول صلى الله عليه وسلم عن ربه قائلا : " إن الله تعالى لما خلق العقل قال له أقبل فأقبل ثم قال له أدبر فأدبر، فقال له من أنت ومن أنا قال ׃ أنا العقل وأنت رب العالمين. ولما خلق النفس قال لها أقبلي فأدبرت وقال لها أدبري فأقبلت ثم قال لها من أنا ومن أنت ؟ قالت أنا النفس وأنت أنت. فأمر بتجويعها، وقال لها أقبلي فأقبلت، وقال لها أدبري فأدبرت، وقال لها : من أنا ؟ قالت : أنت رب العالمين ". فقلت بعد هذه التذكرة : الأيام البيض بين أيدينا، ﺇذا أصومها لعلها تستسلم وتقبل ﺇتمام الحديث.
ويستمر الحوار ...
بعد الصيام أتتني راغمة، تحدثني بصوت مبحوح من شدة البكاء، فقالت׃ عزيزتي الغالية سأصدقك القول، ﺃنت حقا في الحضيض وأنا من باعك. فقد خنتك وخدعتك، ولكن فات الأوان، عقدت معه صفقة طويلة الأمد.
سألتها متعجبة ׃ من هو ولمن بعتني؟
أجابت وصوتها خافت من شدة النحيب ׃ بعتك للشيطان، فقد واعدته أن أفتح له أبوابا تمكنه من الدخول عليك والتحكم في سلوكك، فهو يُكَوّن حزبا معارضا لحزب الله، ويريد أن يكون حزبه أكبر عددا وأكثر نفوذا.
استعطفتها ورجوتها أن تذكر لي تلك الأبواب كي أحاول إغلاقها والانتباه إليها.
فقالت ׃ فتحت له يا عزيزتي أبوابا عديدة.
أبواب توصد بالإصرار على الاستغفار وحسن العمل في اصطبار.
- باب الغضب ׃ فعند الغضب تصرخين، وتحقدين، وتكرهين، وتنتقمين، وتنتصرين لي، ومهما غضبت لعب الشيطان بك كما يلعب الصبي بالكرة " من إحياء علوم الدين لأبي حامد الغزالي : ج3/ ص35بتصرف. وتلقين وراء ظهرك قوله تعالى : (والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين) سورة آل عمران، الآية : 134، وقول الرسول صلى الله عليه وسل : " ليس الشديد بالصرعة ولكن الشديد من يملك نفسه عند الغضب ".
- باب الشهوة ׃ فتحت له ﻫﺫا الباب أيضا وأعنته لعلنا نجعل الدنيا أكبر همك ومبلغ علمك، تحقدين لأجلها، وتنافسين فيها، وتتمنين حوزة جميع ﻤﻠذاتها، ﻫﺫا وأنت تقرئين قوله تعالى : ( فما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وما عند الله خير وأبقى ﻠﻠﺬين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون ) سورة الشورى، الآية : 33، ولم يستوقفك أو يرهبك قول الله تعالى : ( من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نوته منها وما له في الآخرة من نصيب ) نفسها، الآية : 18.
- باب الطمع في رضا الناس ׃ فأنت تتصنعين وتتزينين للخلق ـ وهم عبيد مثلك ـ بأحب الأعمال إلى الله، وحري بها أن تكون خالصة لوجه الله الكريم، لم تتعظي بقول الله تعالى : ( ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا ) سورة النحل، الآية ׃ 92.
- باب سوء الظن ׃ جعلناك تتهمين أخواتك وأقاربك، ومن ثم تنظرين إليهم بعين الاحتقار، وترين نفسك خيرا منهم، فيطول لسانك بالغيبة، وتقصرين في القيام بحقوقهم. كما أغلقنا أﺫني قلبك حتى لا تنبهك الآية الكريمة : ( يا أيها اﻟﺬين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تتجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه واتقوا الله ﺇن الله تواب رحيم ) سورة الحجرات، الآية ׃12.
خلاصة وجدوى الحوار؟
قاطعتها وأنا حائرة ما الخلاص وما السبيل ؟ هلا ساعدتني ﻓﺇني هالكة لا محالة.
أجابتني ناصحة ׃ إن أردت الفلاح فابحثي عن القلوب الحية بذكر الله من المسلمين والمسلمات، وجددي توبتك معهم، بمفردك لن تستطيعي التوبة والانضباط عليها، فالتوبة ضمن مجموعة، نجاة من الخسران المبين في منأى عن مثبط التوبة الشيطان اللعين، ألم تسمعي قوله تعالى : (والعصر ﺇن الإنسان لفي خسر إلا اﻠذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر) سورة العصر.
وﺇن ابتغيت الفوز الكبير فخالفي أوامري ولا تطيعينني، فأنا لا أدعو إلا ﺇلى سبل الهلاك. ومخالفتي جهاد أكبر، كما أسماه الرسول صلى الله عليه وسلم مصداقا لقوله تعالى : ( واﻠذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين) سورة العنكبوت، الآية : 69.
وﺇن استعصى عليك الأمر فاستعيني بالله، وقد أرشدك ربك ﺇلى ما يعينك كذلك بقوله׃ (واصبر نفسك مع اﻠذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ﺬكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا ) سورة الكهف، الآية : 28. فعن سيدنا عبد الرحمن بن سهل بن حنيف رضي الله عنه قال ׃ نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بعض أبياته (واصبر نفسك...) الآية، فخرج يتلمسهم فوجد قوما يذكرون الله تعالى منهم ثائر الرأس وجاف الجلد وذو الثوب الواحد فلما رآهم جلس معهم وقال ׃" الحمد لله اﻠذي جعل في أمتي من أمرني الله أن أصبر نفسي معهم".
حينها فاضت عيناي وأشفقت على حالي، وأخافتني ﺫنوبي التي لاحد لها ولا نهاية، فالتفتت هي متيقظة وقالت ׃ ويحي كيف بحت لك بكل ﻫذا ؟ وأخبرتك بأسرار كيدي، إليك عني ...ثم انصرفت وهي تصرخ تبا لك تبا تبا... وما أظنها ستجالسني مرة أخرى أو ستصارحني... فاللهم ارزقني قوة أواجه بها النفس والشيطان وتباتا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.
---------------------------
منقول