بعدَ كلِ أوجاعِ المعاناةِ وآلامِ البحثِ عنكِ وشبحِ فراقكِ الذي أقلقَ منامي كثيراً فأحالني إلى بقايا إنسان.
لما لاحَ طيفكِ أمامي مرةً أخرى، عندما رأيتُكِ من بعيدٍ وأنتِ تجلسين على عرشكِ والناسُ حولَك يصطفونَ آملينَ منكِ ابتسامةً حلموا بها منذُ عرفوكِ.
هذه الابتسامةُ التي كانت يوماً ما ملكي أنا وحدي فكنتُ فارسَها وحارسَها متميزاً بها عن كلِ رجالِ الأرض.
فكلما اقتربتُ من عرشكِ ازدادَ فرحي بلقاؤكِ مرةً أخرى حتى أصبحتُ لا أتمالك نفسي وتحولتُ إلى ريشةٍ تطيرُ في الهواءِ لتصلَ إلى هواكِ، أصبحتُ أحس بأنني عصفورٌ أُطلقَ من فقصِهِ يغردُ في السماءِ يتنقلُ ويتراقصُ فرحاً بينَ الأغصان.
فتحتُ ذراعيَ وغسلتُ غبارَ الدهرِ عن نفسي ودخلتُ بلاطكِ وكلي أملٌ بأن أعودَ لمكاني الذي ظننتُ أنه مازالَ محفوظاً عندكِ.
لكنكِ وقتها نظرتِ إليَ نظرةً حملت كلَ معاني الملومةِ والتوبيخِ و أشحتِ بوجهكِ عني وتركتِني أبحثُ عن نفسي من جديد، فأخذتُ أنادي وأصيحُ ( حبيبتي هذا أنا) وأوهمُ نفسي بأنكِ لم تسمعينني فأصرخُ بصوت أعلى وأعلى فتنظرينَ إليَّ بطرفِ عينكِ وتتجاهلينَ نداءَ قلبي لا نداءَ لساني.
فاختفت تلكَ الابتسامةُ عن وجهي وعادَ الشحوبُ إليهِ من جديد، فأدركتُ حينها أنَّ الأوانَ قد فاتَ وأنَّ الزمانَ تغيرَ ولن يعود.
فلملمتُ نفسي وحملتُ حزني وأدرتُ ظهري كي أخرجَ من هذا العالمِ الذي لم يعدْ لي مكانٌ فيه، فإذا بحراسكِ يمنعونني من الخروجِ أيضاً فأصبحتُ أسيراً ما بينَ رماحِ حراسكِ وبين نظراتِ ملامتكِ، فكلما رجعتُ إلى الوراءِ وخزتني رماح حراسكِ وكلما تقدمتُ نحوَكِ طَعَنْتِني بنظراتٍ كانت أشدَّ عليَ من وخزِ الرماح.
فوقفتُ حينَها مستذكِراً أياماً مضت، أياماً أعطيتُكِ فيها حباً تدفقَ إليكِ بغزارةِ حباتِ المطرِ، أياماً استنزفتِ فيها حبي وعشقي كي تُشبِعينَ نَهَمَكِ العاطفي فكنتِ كالعنقاءِ تنهشُ فريسَتها، أياماً كنتُ فيها وحدي أصولُ وأجولُ فرحاً بفوزي بقلبكِ المتعطشِ دوماً للحب.
فتمالكتُ نفسي وتنهدتُ تنهيدةً أحرقت صدري وسألتُكِ قائلاً:
لمَ كلُ هذه القسوة...؟؟؟
وانتظرتُ جوابكِ ...
ثم انتظرتُ جوابكِ....
وما زلتُ انتظرُ الجواب...
فاضل
2/2/2008