أسرع "هاني" الخُطا و هو يعبر الطريق المؤدي إلى ميدان وسط المدينة الشهير. و لم يلبث أن توقّف أمام بقالة صغيرة ليشتري مناديل ورقية . انتهز فرصة توقّفة ليلتقط بعض الأنفاس . أخرج من جيبه هاتفه النقّال و نظر إلي شاشته التي تؤكّد أنه لم يتلق أي اتصال أو رسالة نصّية ؛ فهدّأ ذلك من توتّره بعض الشئ ، قبل أن يعاود السير مرة أخرى خشية التأخر على موعده معهم. كان الازدحام المُتزايد طَردياً كلّما أقترب من الميدان يعيق سرعة تقدّمه ، مما زاد من توتّره . بدأ في الهرولة إلا أن ذلك لم يزيده إلا تخبّطاً في المارة و كثيراً من عبارات الاعتذار.
أخيراً وصل إلى نهاية الشارع ، ليكون الميدان على مرمى البصر ، إلا أنه وجد حشداً هائلاً من الناس يملأ الميدان عن آخره. إنها مُظاهرة ضخمة ، لا يحتاج الأمر إلى تفكير لمعرفة ذلك ، فمِئات اللافتات المحمولة و المُعلّقة كانت تفصح عن ذلك ، ناهيك عن الصوت الجهوري الذي كان يصُمّ الآذان. لوهلة تَوقّف و هو ينظر إلى اللافتات " أغيثوا غزّة " ، " لعنة الله على اليهود " ، " أين الدور العربي ؟ " ، " من ينقذ الأطفال في غزّة ؟ " ، " تبرّعوا بكل ما لديكم من أجل أخوانكم " ، " حسبنا الله و نِعم الوكيل " ، " غزّة حُرّة رغم الحِصار " ، " غزّة لن تموت " ، " لن نترك غزّة في الظلام " . مشاعر عديدة تأجّجت داخله ، زاد من تأججها الهتافات التي ترج الميدان " بالروح و الدم نفديكِ يا فلسطين " ، " يا فلسطيني يا فلسطيني .. دمك دمي و دينك ديني " ، " يا فسطين يا فلسطين .. نحن معك ليوم الدين " ، " قابلوا بوش بالأحضان .. و تركوا أولادنا في الأكفان " ، " غزّة يا أبيّة .. لن نبيع القضية ". تمكّن الغضب منه فأطلق بعض السباب على الكيان الصهيوني ، شَرع في ترديد الهتافات مع الحشد ، قبل أن يشعر بهزّات منتظمة في جيبه ، فأخرج هاتفه النقّال ليرى اسم المُتّصل ، فعاوده التوتّر مرة أخرى ، و رفض قبول المكالمة لإستحالة الرد في تلك الضوضاء . لم يكن هناك بداً من أن يخترق الحشد لمُقابلة زملائه على الجهة الأخرى من الميدان ، بعد أن أغلقت قوات الشرطة المداخل و المخارج الأخرى للميدان.
اخترقت حوارات كثيرة أذنه أثناء رحلة عبوره هذا الحشد
- " أين الحُكّام العرب ؟ هل سيتركونهم يموتون ؟ "
- " أفتحوا باب الجهاد و أفتحوا الحدود "
- " إلى متى سنظل نشعر بالمهانة ؟"
- " الأمل في الجيل الجديد "
- " هل سيتركون لهم الفرصة؟"
- " نسمع نفس الكلام منذ سنوات"
- " الكيان الصهيوني يُغيّب الشباب"
- " لن نسمح لهم تلك المرة "
شارفت رحلة عبوره الحشد على الإنتهاء . حبّات العرق تُلهب عيناه. شعر بهزّات هاتفه النقّال مرة أخرى في جيبه ، فزاد ذلك من عصبيّته. أنفاسه المُختنقة جعلته يبعد الواقفين بخشونة. رأى من بعيد فُرجه تسمح له برؤية الطريق مرة أخرى ، فأسرع من خطواته . الهاتف لم يكف عن إصدار الهزّات.
أخيراً خرج من هذا الحشد الكبير.توقّف لبضع ثوان ، أخذ شهيقاً طويلاً من الهواء النقي ، قبل أن يلتقط هاتفه النقّال من جيبه ، و ضغط على زر استلام المكالة ، ليأتيه صوتاً عصبيّاً قائلاً:
-" أين أنت يا هاني .. لقد تأخرنا ، و كُلّنا ننتظرك جميعاً ؟ "
-" أنا هُنا في الميدان ، الطريق كان مُزدحماً جداً "
-" حسناً حسناً .... أسرع فتذاكر السينما معك".!!!
تـَـمـَّـت
أحمد فؤاد
03/03/2008