في عيدها
ما زلت أذكر شجرة التوت العتيقة ، تلك التي كانت تظلل البيت والحديقة ،
كانت وأمي صديقتين ، بقدر ما كانت أمي تمنحها ماء وتقليما وعناية ، كانت الشجرة تعطينا ثمارها الرطبة الشهية ، تأتينا أمنا في الصباح الباكر بطبق منها متراصة رائعة ، تهزنا لنفيق والطبق بيدها أنْ هيا قبل أن تفقد الثمار نكهتها .
كان هذا سببا كافيا للقفز من الأسرة لتذوق الطعم الشهي.
كانت تفرد ملاءة بيضاء نقية تحت الشجرة وقت صلاة الفجر ، فتتساقط الثمرات مع ثقل النضج محملة بقطرات الندى تستحثها للهبوط والراحة فوق البياض الممتد .ثم هزة رقيقة من أمي فيسقط ما تبقى من ثمرات خجولة تنتظر من يقطفها.
كانت هذه هي الترويقة التي ما كنا نستطيع الاستغناء عنها ، فقد أصبحت طقسا يوميا في موسم التوت .
بعد دقائق من انتهاء هذا الطقس عذب المذاق ، كانت تأتينا بالقهوة ، تسبقها الأبخرة التي تنبه ما بقي من حواسنا متكاسلا مسترخيا ، فنهب هبة شخص واحد ، نتسابق إلى قهوة أمي ، ويبدأ نهارها ونهارنا ، فهذا يذهب إلى العمل وتلك إلى المدرسة وهكذا ، بينما تبقى أمي تحنو على أشجارها وأزهارها ، وتحوك بخيوطها الرقيقة مفارش صغيرة جميلة مخرمة ، وتخيط ، وتعد أطايب الطعام .
الخبز في بيتنا كان له طقس آخر . أمي كانت ترفض الخبز الذي يباع في السوق قرفا من فئران محتملة تعيش ربما في المخابز ، فكانت توصي بقمح ، ترسله للطحن وتعجن منه كل يومين ، وكانت قد تعلمت في صغرها كيف يخبزون على الصاج ، فاقتنت واحدا ، وهو وعاء من الصاج مستدير ومقبب ، كانت تقلبه فوق حجارة أشعلت بينها أغصانا جافة ، وتفرد عليه العجينة الرخوة التي تنضج بسرعة ، رغيفا لا أجمل ولا ألذ !
كنا نضحك كثيرا ، ونسخر من الأمر برمته ، فكيف يحدث هذا والمخابز الآلية تملأ الدنيا ، وأنواع الخبز
كثيرة ولذيذة ، وكانت أمي تنظر ببعض العتب ، وتقول : هذا خبز لم تعبث به فئران .كنا نرفض في أغلب الأحيان أن نأكل خبزها لأنه أسمر !! وها نحن الآن نبحث بجهد كي نجد خبزا أسمر يذكرنا برائحة خبزها ، دون جدوى.
نبحث عن النقاء ، وعن الحب ، ورائحة الأزهار غير المهرمنة.
هي وقفة للذكرى في عيدها
_________________
حنان الأغا