مرسى الأحزان ...
عنوان شفيف ، عذب ، رغم انه يبدأ بالحزن ، الا انه استطاع منذ الوهلة الاولى ان يضيف الى ذهن المتلقي ماهية الاتي ، وكيفية التنبأ به ، ولأن المرسى يوحي بالاستقرار والامان ، والحزن شريعة مستحبة لأصحاب القلوب الدفيئة ، يكون دخول النص امرا مستحباً.
يا نورس البحر الحائر
في أخدود الزمان
تتقاذفك الأمواج
فلا ارتحالَ بغير أحزان
ولا حزناً بغير انتهاء
النداء جاء يعلن المخاطب به ، كتشبيه ، او كمصدر ، يمكن للانسان ان يثق به ، ولايتنتظر منه ردا ، لكن لانه متنقل ، طائر سابح في الكون ، فان يمكن ان حاملا لنسمات هذا النداء ، لذا نجد اللغة هنا تدل هلى هدوء نفسي نسبي ، لكنه منفعل بسبب تكرار امر ما ، ولعل الجزم في الرؤية التي تلحق بالنداء يجعلنا نرى الامر وكأنه اصبح ذا تاثير كبير على نفسية الشاعرة ، فالحزن مرافق عتيق ، لكنه هنا ليس بنهائي .
مازلت تبحث عن مرساك
وشطآن الأمل أوهام
اليمامة الزرقاء تاهت
وبحور التمني هباء
وغيمة في الأفق لاحت
فلا فرصة لتراجع ولا أمل في نجاة
تتناقض الالفاظ هنا وتتداخل في بعضها ، فلا تجد نفسها الا وقد استاحبت اللغة ، واخذت تبحث عن استعارات وتشبيهات يمكنها ان تفضي بالمكنون والمدلول ، فبين بالحث ، والامان ،والتيه ، هناك امل ، كان في المقطع الاول اكثر حضورا ، نجدها هنا يصطدم بجدار من اليأس ، واليأس طغى نهائيا على الفقرة هذه ، وكأن الحزن الذي كان يجد نفسه امام مدخل بلا نهاية اصبح ملزما عليه اليأس والخنوع.
أيها النورس الحائر
قد كتب عليك الترحال
من مرسي إلي مرسي
تتخبط في الأرجاء
فهل يأتيك يوماً
لتدرك فيه وطناً قد عاش في الأنحاء
لعل مزاجية اشاعرة هنا قد اثرت على النص باكمله ، فنجدها على المستوى الصوتي ، والسمعي للقصيدة ، تتغير ، وتصبح في حالة بيانية ، تعلو وتهبط ، وهذا ما نلاحظه هنا ، حيث هدأت النبرة ، لكنها لم تنحل من يأسها ، ونداءها هنا ليس الا تعبير عن حالة الخنوع والخضوع للحزن واليأس ، فالبحث يستمر ، والهدف واحد ، والنهاية غير معلومة ، لكن هنا اشارة دالة وموحية الى ماهية البحث نفسه.
تبحث عنه في العيون
وتسلك له كل الدروب
عله يوما يكون مرساك
وترتاح من المعاناة
اذا الغرض واضح من البحث ، هو الامان والراحة ، وهذا عنصران مهمان بالنسبة للنوس /الانسان / من اجل بناء العش ، والبقاء ضمن حدود الممكن الوجودي الحياتي ، فمن اقل الحقوق التي يبحث عنها الانسان هو وطن ، يعيش عليه بأمان ، والبحث عن هذا الوطن حتى وان اخذ قالبا مجازيا فانه من ضرورات الحياة .
دمت بخير
محبتي لك
جوتيار