تحت المجهر
________________________________________
*
لماذا نتحول جميعًا إلى أنبياء حين يسقط أحدهم ؟
أكاد أجزم أننا نرى في هذا السقوط وجهنا الآخر الذي نكرهه - والذي نخفيه – لأننا لا نملك الجرأة الكافية على مواجهته ...
لكن لماذا نتفنن في ذبحه ؟
أليس الأنبياء هم رحمة الله المهداة إلى البشرية جمعاء ؟
لماذا نستعير " الرتبة " ونتغاضى عن " مضمونها " ؟
لماذا نعدم الرحمة "فينا " فنصبح ساديين ..أو مازوخيين – مع سبق الإصرار والترصد - مع أنفسنا ومع الآخرين ..
ما الفرق بين الاثنين ؟
لا فرق ..
فكلاهما مات منذ زمن بعد أن فقد قلبه .
**
نحن بشر ، نخطئ ونصيب ، لكن الكارثة أن "البعض " يظن أنه فوق مستوى البشر ؛ فتراه يتصرف وكأنه يملك صكوك " الغفران " فيعطي هذا ويمنع ذاك ، وعلى حسب ما تمليه عليه أهواءه ، ثمّ يأوي إلى عشه وهو مقتنع تمامًا بأنه ساهم في نشر عدالة "لم يسمع بها مطلقًا " ..
نجد في الغرب - وهو ليس قدوة لنا - قاتلًا قام بارتكاب جرائم يندى لها الجبين ، ثمّ يطلق سراحه فيما بعد ، لأن الإجراءات التي اتبعت في أثناء القبض عليه لم تكن سليمة من الناحية القانونية ولأنها أيضًا انتهكت " حقوقه الشخصية ". .
ماذا سنقول نحن حين نرى مذنبًا تكالبت عليه المحن وهوت عليه السكاكين من كل حدب وصوب ، حتى أننا لم نعطه الفرصة للنطق بالشهادتين ،و لماذا ننصب أنفسنا قضاة فنصدرحكمًا بالإعدام على من لا يستحق- ذنبه - الموت ، ومن قِبل أناس لا يملكون - أصلًا - حق المحاكمة .
هذا ما يحدث أحيانًا - وغالبًا - ، ولعل البعض – منا - صدق شيطانه فاعتقد أن الوحي قد انقطع عن الجميع إلا عنه - طبعًا - ، فتراه يتحدث بلسان نبي ، وشيطانه يكاد أن ينفجر من الضحك "عليه " .
***
أتدرون .... سواءً أكنا ساديين أم مازوخيين - أو غير ذلك - فالنتيجة واحدة ؛ نحن نقتل كل شيء جميل كان من الممكن أن يولد في حياتنا - لو أعطينا العقل فرصة واحدة فقط للمراجعة - ، و أصعب موقف قد نواجهه في حياتنا هو أن نرى حياة إنسان على وشك أن تموت ، ثمّ لا نحرك ساكنًا ، ثمّ نحاول أن نتحرك ، ثمّ نتراجع خوفًا من إغضاب الآخرين ، ثمّ يدركنا الوقت ؛ فتموت بين أيدينا ، ثمّ نندم على قسوتنا عليه - و على أنفسنا فيما بعد - وبعد أن يقع المحظور و لا ينفع الندم ، نجلس - وبعد أن تذهب نشوة ... - ولسان حالنا يقول :
كيف سيرحمنا من في السماء إن لم يرحم بعضنا بعضا على هذه الأرض .
****
هل نحن ملائكة ؟ من سابع المستحيلات أن نكون كذلك .
هل نحن شياطين ؟ الراجح من تصرفات البعض .. كذلك .
هل نحن بشر ؟ هذه فرضية باتت تحتاج إلى أدلة كثيرة ، و علينا أن نثبت ذلك .
*****
كل المؤشرات والشواهد القادمة - من زمن العولمة هذا – باتت تؤكد على أن ثقب الأوزون بدأ يتحول إلى مخلوق يعيش في قلوب معظم البشر ، ولهذا تراه يتدخل فيما لا يعنيه ، فينفث سمومه وغضبه على محيطه ، حاملًا معه كل الأنانية والسادية التي يمكن أن تتخيلها ، فيصب جام غضبه ويطلق رصاصة " قسوة " على حياة شخص – أو أشخاص - لم يكن موته – موتهم - بحاجة إلى موت آخر ... لم يكن يستحقه - يستحقونه - .
******
لقد وضع الله سبحانه وتعالى شريعة صالحة لكل زمان ومكان ، ووضع أيضًا عقابًا يتناسب وحجم الذنب الذي قد يرتكبه الإنسان ، لذلك علينا أن نتنبه إلى خطورة الخوض في إصدار الأحكام على البشر ، وبما لا يتناسب وحجم الذنب الذي قد يرتكبونه ، لأن من يفعل ذلك فإنما أراد أن يقول وبطريقة مباشرة – أو غير مباشرة- أنه يعترض على هذه الشريعة ، وما جاءت به ، وأن الحكم الذي أصدره هو الصواب ، وعندما يواجه بحقيقة أنه أخطأ في حكمه ، يلجأ إلى حيلة مكشوفة ، وإلى كلمة حق أريد بها باطل فيقول : إنما أنا مجتهد ، فإن أصبت فليّ أجران وإن أخطأت فليّ أجر واحد ، ناسيًا أو متناسيًا أن هناك جملة من الشروط الموضوعية والتي لا بد وأن تتوفر فيه حتى يكون مؤهلًا لإصدار الفتوى أو الأحكام .
*******
هل يصلح الاعتذار ما أفسده " العطار " ؟