جلس على بعد عمرٍ من الناس قابعاً على كرسي المصيف المنفرد بعيداً عن وجوه البشر .
ملقيا عيناه بذروة الموج , سابحاً بمجاديف خيالاته في سماء السمان الأبيض الزرقاء .
ماذا عسى هؤلاء - الذين ترتدي أيديهم الجوع وتنبت الحاجة في نفوسهم – أن يقدموا لي . بل فيما أحتاج إليهم , لا شئ سوى الجني من ثماري .
هكذا نمت الوحدة في طياته حتى بدت كذاك الجبل الذي يتمطى خلف كرسيه .
كيف لا وهو منذ الحاجة وحتى المزيد ما افتقد أبداً بل فوق ما تريد الأماني ينال .
لم يعشق سوى تقاطيع الوداع وصباح الفراق . فما رأى وجوه البشر إلا قطاف حاجاتهم ومنال بغياهم ,
يعشق وحدته عندما تهدهده ويحرسه من حولها علياؤه الذي يكمن في درك نفسه .
رغب في ركوب تلك الموجة العالية فلطالما يتيه في العلو , واليوم يستعلي إليهم البحر كاستعلائه تماما .
ألقى بعضاً من رفاقه مع رداء المصيف العلوي على ذروة الكرسي ثم مضى للقاء .
يعانق الموج الهادر ويلقي بجسده الناعم الثقيل عليه ليحمله كما تحمله كل أعناق البشر .
متعة الجلوس على الأكتاف لعبة لم يسأمها منذ الغنى , وما سأمها حاملوه .
أخذته الموجة الطود في أحضان أخواتها إلى ساحة العمق . سبح واستلقى على كفها لتحمله كعادة أحلامه .
شعر بزرقة السماء ترتدي بياض السمان .
لقد دارت به الدوامة حتى استجداء البعيدين ,
فرأى أحدهم يقترب من انتشاله ياله من وجه ما أقطره , لكنه مد يده ولأول مرة يمدها , فوداع الحياة بئيس , ونكهة العيش لا تقاوم .
غاص قليلا قبل وصول النجاة إليه ثم عاد وقذف بقوة التمسك بالروح ليدفع بطباق الماء عليه وليمسك بيد الحياة التى تمتد نحوه فأمسك بها ....
فإذا به يقبض بيمناه على يسراه فيأخذهما ويهوي إلى القاع وحيدا .
أبوعباد