المشاركة الأصلية كتبت بواسطة بابيه أمال
في البيت العتيق..
قفر طال منه كل الجسد، وهوى عليه بمعاول التنكيل.. زفرات تراوح غدوها وإيابها على ذلك الصدر الذي مل من الهم، وجزعه الكرب، وقض جنباته الغم، واعترى عقله الأذى، وقطع عن قلبه المريض أي شريان يمر معه الدفق فاعتلى على ملامحه الضنك. بدأت روحه تئن وتئن وقد قتلها كل ما يجري على الهيكل الذي تعيش في كنفه، لتبحث عن إيمانها وشمائلها علها تجد مكان ترتاح فيه، فلم تجد إلا الألم باغيا على الأمكنة دون سواء.
أين يكمن الخلل؟ ما السبب والأصل لكل هذا القهر؟ أتراها خفافيش الظلام التي طالما عبثت في عقله وخربته أم هي زعزعة لأساساته التي هدمها بنفسه؟ وأين الحل لكل هذا؟ وأين يجد الأجوبة وقد ملئه التعب والخور الذي عبث فيه؟.
رحل الى مكان يعلم أن لا أحد يعرفه فيه، مكان يبكي على أعتابه، ويظهر نهر الصدأ الذي خدشه وحطمه؛ رحل إلى حيث تكون كعبة الدنيا، إلى عمود النور المتسامي حيث هجوع القلوب المحتارة.
أمسك بأستار الكعبة عند الملتزم واشتدت معها أنفاسه، ولكأن شيء ينتزع بكائه من أحشائه، وظن أنه لوحده وكأنه في مكان آخر غير الذي يقف عليه البشر في تلك اللحظة الزمنية.
هدأت نفسه وهزه شيء من الهدوء الذي غسل فروعه، وانتعشت روحه الخائفة بعد بكاء ونواح ذرف معه الدموع الغزيرة، ليجد بعدها راحة عجيبة.. وما هي إلا ثواني قليلة، حتى انفضت يداه الممسكة بشدة بأستار الكعبة، فالتفت إلى من حوله، ورفع نظره إلى السماء شكرا للكريم الغفور أن منح روحه السكينة المنشودة، ونظر بفرح الأطفال إلى العصافير وحمام الحرم المحلقة حول الكعبة توحي له بإخراج السعادة المحتبسة داخله، وتقول له: "حلق مثلنا في ملكوت الله، تأمل الكون ولا تخنع لهواجسك، واعتبر الدنيا فانية، إذ الفوز هناك عند رب العباد".
عاش بخشوع هذه اللحظة التي اعتمرت عقله، وحام بنظره في الجموع ومن ثم تحرك واندس بين الجمهرة الطائفة بالبيت العتيق فغاب عن الأنظار.
((هي من المشاهد التي تأخذك دوماً عندما تزور البيت العتيق فتحس مبلغ الراحة، لأن قصاده لا يخرجهم ربنا الغفار الرحمن الرحيم الا وهم مستبشرون )).
اللهم اطعم أمتنا جمعاء بعمارة بيتك العتيق وزيارة مسجد نبيك الكريم وسهل أمر سفرهم ويسره لهم..
آمين يارب العالمين