نحو فكر مثقف، مرن، هادف ومنفتح على فضاء الواقع..
تحتاج الإنسانية جمعاء للفكر احتياجها للطعام والماء، بل إننا نجد أن جميع الحضارات البائدة أو السائدة لم تقم لها ركائز إلا عن طريق فكر بناء يعدل مسار طريقها نحو النمو السليم على كافة الأصعدة، ومع التواجد الفعلي لجبهة الرفض الثقافي والسلبي في عالمنا العربي، والتي تعتبر جزءا مركبا من النقص الذي نعاني منه منذ انطفاء مشعل الحضارة الواعية الذي حمله المسلمون منذ قرون خلت، وبعد ازدهار الغرب وتقدمه، يرى أنه على الرغم من أن هذا النقص في ازدياد متسارع كلما اتسعت الشقة بين الشرق والغرب - الذي لا يدخر جهدا في إنتاج الحضارة كما لا يدخر الشرق جهدا أيضا في استهلاكها بوعي أو بدونه -، فعدد كبير من المثقفين لا زالوا واقفون بالمرصاد كمحاكم التفتيش، وعاجزون في نفس الوقت على أن يقدموا للناس بديلا يفهمونه أو ينسجم مع حضارتهم ودينهم..
ومن بين مواضع هذا الزلل الفكري، نذكر ما يهمنا الآن أولا فيما نراه متفشيا بصورة أوضح بين أقلام المواقع والمنتديات: "اتفاق المثقفون – هذا إذا ما اتفقوا - على المعاني المجردة أول الأمر، واختلافهم بعد ذلك في التفصيلات الجزئية التي تقع تحت ذلك التجريد..".
وخير مثال على قضية التجريد نجده عند الناس جميعا، فهم متفقون على ضرورة "الطعام"، لكن إذا ما أخذوا يعدون لأنفسهم صنوفه، يختلفون ميلا ونفورا إلى أبعد درجات الاختلاف، حتى أنه ليتقزز من بعض صنوف هذا الطعام نفر بما يكون موضع الاحتفال والتكريم عند نفر آخر..
وقس على هذا الأمر في كل شيء بين عدد كبير من الكوكبة المثقفة من الناس على واقع المنتديات.. وخذ ما شئت من مجالات الدين والسياسة والاجتماع، تجد بينهم أحيانا اتفاقا لا استثناء فيه ولا تردد على ضرورة التعامل مع هذه المجالات من منطلق الفكر أولا قبل العمل، لكن انظر إلى التفصيلات والشروح والنقاشات التي قد تحملها معاني موضوع ما في هذا الصدد، فكثيرا ما تجدهم قد تفرقوا فرقا يباعد بينها ما يباعد بين القطبين.. فإذا كان المجال مجال الدين، قد يكفر بعضهم بعضا، أو كان مجال السياسة قد يناطح بعضهم بعضا، أو كان مجال الاجتماع فقد يتهم بعضهم بعضا بالرجعية..
فما هو الفكر المثقف، المرن، الهادف والمنفتح على فضاء الواقع..؟ ومن هي الفئة المثقفة الأكثر تناسقا وتماشيا معه في خضم ما تعيشه الشبكة العنكبوتية من تيارات فكرية نابعة من كل الجوانب الهادفة أو الهدامة ؟
يتبع بإذن الله..