حديث المرايا
ذات يوم فاجأني احد الأصدقاء بسؤال غريب، لم أكن أتوقع أن اسمعه يوما ما، وخصوصا من صديقي المعروف بقوة شخصيته ورزانته واتزانه وتعففه عن استخدام ألفاظ غير محسوبة، أو أسئلة تقود نحو الحرج والخجل.
سألني...
ما الفرق بين ما أنت عليه الان وبين زمن كنت فيه طفلا؟
قلت...
بين أعطاف الطفولة كنت املك حريتي وبراءتي، وكنت املك كما من المشاعر المصقولة المهذبة الدائرة في رحم الحلم الكرزي، وكنت أتنقل من مكان إلى مكان كدوري فرح سعيد، فالسهول الممتدة موطن راسي الصغير، والجبال المحتضنة السهول، مرفأ صدري ومسكن قلبي، والآفاق كلها ملك يميني وقبضتي، والشارع الفاصل بين مخيمي وقرية ذنابة، الشارع الهادىء الساكن الرائع، المحاط بالبيارات المتكاتفة الأشجار، المسور بغابات الزيتون، المتوج بأزهار الربيع المتفجر كبركان يقذف روائعا وكتلا من تناسق اللون مع الطبيعة مع الأرض، مع العين، مع النفس، مع القلب، مع الروح، ذلك الشارع الذي نبتت براعم طفولتي على أرضه وصخره وبلاطه وترابه، ذلك الشارع الذي أسميته منذ الطفولة " شارع الصمت " كان، كما كنت أنا، على موعد مع الانقلاب والتغير والتبدل، كنا على موعد لقاء ذاتينا لقاء الغريب المجهول للغريب المجهول.
فانا اليوم، لست ذاك الطفل المملوء بالحيوية والنشاط والجذل، لست ذاك الطفل الذي كان يسلم نفسه للفراش ليغط بنوم عميق عميق، لست ذاك الطفل الذي كان يجوب الجبال والسهول للبحث عن السلاحف المقلوبة على ظهرها ليعيدها إلى وضعها الطبيعي، لست ذاك الطفل الذي كانت قدماه تغوصان بالوحل، وجسده تمزقه رياح الشتاء الباردة، ويغرق في بحر من مياه الشتاء، وهو يقطع المسافات بحثا عن غصن نرجس ليعود به متهللا إلى أم أضناها الفقر والجوع والتهجير والتشتيت، ليقبل كفها وهو يرتجف من قر البرد، كفها الطاهر اللامع بالحنان المغدق علي وعلى طفولة سوف تنتهي لتبدأ رحلة الألم والسجن والعذاب والقهر، لا، لم اعد كذلك، ولا أستطيع أن اجزم ولو لهنيهنة واحدة بوجود صلة بين ما انا عليه الان، وبين ما كان عليه ذلك الطفل.
أتذكر ماجد غانم، ذلك الطفل الذي غرق في بركة سباحة الحج قاسم على طريق قرية ارتاح، ذلك الطفل اخذ مني الكثير يوم أنزلناه القبر، قطع من مساحات طفولتي ما يكفي لأتحول إلى كم من الم مكبوت ينتظر الانفجار، بكيته بحرقة، وبكته السهول والوديان والجبال والافاق التي عشت معه في رحمها الواسع الفضفاض، وحين قضى، قضى كم من طفولتي معه.
أتذكر تيسير فضة، ذلك الجني الصغير، الشقي إلى حد الشقاوة، هل تذكر رأسه الموسوم بالندوب والخطوط من اثر الحجارة والحديد الذي كان يضرب بهما من بقية الأطفال، أتذكر كيف كان، ولوحده، يشغل المدرسة والأساتذة، بل المدينة كلها إلى حد الحنق والاختناق، ثم كيف توج كل شقاوته وعفرتته بحرق نفسه وسط المدينة.
النار التي أكلت تيسير، أكلت الكثير من طفولتي يومها، بل ودفعت ملامحي نحو الشباب والبلوغ، فتصادمت الطفولة مع الشباب، فارتج كل كياني، وانصهرت بذاتي أشياء لم أكن اعرف عنها أو عن طبيعتها ولو قليل القليل، تناقض العمر مع الحلم، وتناقض العقل مع النفس، فانفلتت الأشياء مني، انفلات سيل عارم من سد منهار.
هو الانهيار يا صديقي، انهيار الطفولة أمام الأيام التي كان عليها أن تنتظر ردحا من زمن حتى اعرف طفولتي، وتعرفني أيام الطفولة.
قال...
لم أسألك لأنكأ الجراح، فعذرا وألف عذر، ولكني أود أن أسالك عن شيء ما، شيء قد يستثير دهشتك واستغرابك، ولكن بي جموح لان اعرف كيف تعاملت معه، جموح خيل فقدت صوابها، بل هيجان قطيع من الثيران يثير زوابع الغبار وهو يدور ويركض دون سبب ودون وجهة.
قلت...
اسأل، فقد أثرت شوقي وتلهفي.
قال...
سؤالي غريب بعض الشيء، لك الحق المطلق بالإجابة أو الصمت والرفض، ولكن تذكر باني سأصدقك القول إن أعدت السؤال علي، سأصدقك إن أجبت أم لم تجب، ولكن التمس لي أعذارا إذا فوجئت بالسؤال والسائل.
قلت...
اسأل ما تريد، فصبري محدود، وطاقتي اصغر من أن تسترسل في الأخذ والرد، اقذف سؤالك ولا تنتظر.
قال...
كيف أنت والمرايا؟ كيف حين كنت طفلا؟ وكيف الان؟ وما الذي تعنيه لك المرايا؟ وهل حين تحدق بالمرآة، ترى تشابها بين من هو خارج المرآة وبين من هو داخلها؟
وصَمت؟ ووجِمت، حدقت في وجهه، بدأت الألوان تتداخل وتتشابك، وأخذ العرق يتفصد من وجنتيه وجبهته، غارت عيناه نحو الأسفل عميقا واختفى لونهما، وخيل لي بان الشعر بدأ ينبت على كفيه. تراجعت للخلف بتؤدة، أحسست بالعري والانكشاف والخجل والإحراج، إتكأت على الهواء، على اللاشيء، على الفضاء المفتوح، وتراءت لي عذريتي وهي تنتهك.
قلت...
مرايا الطفولة، كالطفولة ذاتها، بريئة واضحة، لا تخشى سرا، ولا تخجل من حركة، فما أكثر الأيام التي وقفت فيها أمام الشخص الساكن في المرآة، لأفتح فمي له، من الجانب الأيسر مرة، ومن الجانب الأيمن مرة أخرى، وكم ممدت لساني سخرية وهزءا منه، وكم من مرة قبلته، وكم من مرة مرغت وجهه بلعابي، كنت افعل ذلك وأنا وحيدا، وكنت افعله أمام أهلي وأمام الناس، لم أتورع يوما عن كشف نفسي ومكنونات ذاتي أمام كل أصدقائي، وحين كانت أمي تأتي مهرولة وهي تصرخ بأعلى صوتها " يما اسم الله عليك يا حبيبي، إياك أن تعيدها مرة أخرى، دير بالك يا حبيبي من اللمسة، اللي بيعمل هيك بلتمس، هاي كلها وساوس الجن " ثم تبدأ بتلاوة القرآن، كنت يومها اضحك في سري، وكنت أيضا اشعر بالخوف، فانسل للمرآة من جديد لأتأكد أن فمي وانفي وبقية أعضائي ما زالت سليمة من اللمسة والاعوجاج أم لا.
وأحيانا كنت أتعرى أمام مرآة الخزانة الطويلة، عريا كاملا، أتفقد أجزاء جسدي وأعضائي، وأقارنها بجسد وأعضاء الآخر الموجود داخل المرآة، كنت اكتشف فروقا هائلة، فيميني هو يساره، وأصابعي اصغر حجما من أصابعه، حتى لون الجلد كان فيه اختلاف واضح، وحين كنت أفكر مليا قبل أن المس جزءا من جسدي، كان هو يتحرك بسرعة مفرطة ودون أن يعلم بماذا افكر ليلمس ذلك الجزء في ذات اللحظة التي المسه أنا.
كنت اشعر بالغيرة منه، بل وكنت احسده في أحايين كثيرة، لأني كنت اشعر بضالتي أمامه، فهو يتمتع بمقدرة هائلة في معرفة خفايا نفسي وعقلي، ويستطيع الاختفاء والظهور بطريقة سحرية تمنحه خصوصية الإفلات من العقاب من صفعات أمي وأبي حين كانا يجداني معرى أمامه، لذلك ثارت نقمتي عليه أكثر من مرة، فكسرت المرايا، مرآة خلف الأخرى، في محاولة للانتصار عليه، لكنه كان يفاجئني بعودته المظفرة وهزيمتي المطلقة.
كنت أوجه له سيلا من الأسئلة المتلاحقة في محاولة لإرهاقه وإتعابه، لكنه كان يتمتع بحاسة المرايا، تلك الحاسة القادرة على تعريتنا في كل آن، كان يعلم بماذا افكر، وكيف اخطط، لذلك كان سيل الأسئلة يرد إلي بقوة دفع هائلة، وما هي إلا دقائق حتى أعلن استسلامي وهزيمتي، من هنا، من هنا يا صديقي نشأ غضبي وحقدي على المرايا.
وكنت كلما تقدم العمر، كلما إزددت غضبا وحقدا، لا لشيء، سوى أنني اعلم تماما بان المرايا تنقل الحقيقة كما هي، دون تزوير أو تجميل، ولأنها تستطيع دائما أن تعريك من إهاب النفاق والمجاملة، تستطيع أن تناديك للمثول بين يديها لتقديم اعترافات لا تجرؤ على تقديمها ألا أمامها هي.
وكبرت، أصبحت راشدا، ولكني أصدقك القول، إنني ما زلت حتى هذا اليوم، أقف لأمد لساني للشخص الاخر، وما زلت أتفحص وجهي أمامه، قد ينكر كثير من الناس هذه الحقيقة، تعاليا أو خجلا، لكن الحقيقة التي لا يمكن تصديقها أبدا، هو أن يتخلص الناس من سحر الاعتراف أمام المرايا.
المرايا يا صديقي هي النفس، النفس العصية على الاكتشاف والعلم، النفس الموزعة بين ملايين الملايين من المشاعر المبثوثة بالغور العميق للإنسان، بل وللكائنات الحية كلها، فالقط الذي يقفز مذعورا باحثا عن شبيهه بالمرآة، هو في الحقيقة المطلقة، نفس تبحث عن نفسها، وإلف يبحث عن إلفه، وذات تبحث عن ذاتها.
والنفس المعقدة المتشابكة المشاعر، تأبى على ذاتها أن تكون صادقة مع الكون والإنسان، بل وتتمادى في نحت وتكوين مصطلحات تبريرية للنوازع التي لا تود الاعتراف بها، مصطلحات مغلفة بستار رقيق لا نستطيع أن نراه، لكن المرايا تخترقه ثم تستقر في مركز الحقيقة التي تؤلمنا ونرفض الاعتراف بها.
ماجد غانم، وتيسير فضة، رحلا وهما في سن الطفولة، بقيت علاقتهما مع المرايا، علاقة الطبيعة البكر مع الافاق والجليد الناصع البياض، وبقينا نحن، نتحايل على المرايا، نكذب، نسرق، نحدث أنفسنا بأمور يخجل الطفل منها، نعاني الهزيمة والانكسار، نفقد أحبتنا، نركض خلف الرغيف، نبكي حينا، ونضحك حينا، نبكي ونضحك في نفس الحين، نغالب آمالنا وأحلامنا، نقلب الامنا وأوجاعنا، نزور المرايا في كل يوم قسرا وكرها، ونعلن لأنفسنا بوضوح مرفوض وصراحة خجلة هزيمتنا الأبدية أمام مرايا الكون والنفس.
وها أنا اليوم أغادر سطح المرايا لأكون في أعماقها ونواتها، أقابل نفوسا وأفكارا، اعرفهم من حروفهم، من كتاباتهم، اشعر بهم، الأمس أحلامهم وامالهم وتطلعاتهم، ولكني اعرفهم معرفة الشخص للشخص فقط، وليس علي سوى التسليم بامكانات معرفتي وقدرتي.
اعرف ديوجوبنيس، الذي حمل المصباح وسط الظهيرة، واخذ يطوف بالطرقات، مفتشا منقبا، دائرا بعينيه بين الناس والأشخاص، وحين سئل عما يبحث، أجاب بثقة الفيلسوف، والعالم، ابحث عن إنسان.
اعرف الماغوط الذي قضى عمره بين أنياب الفقر والاستغلال، فسرقت أعماله الأدبية من قبل ممثل يجيد سرقة عواطف وعقول الناس، ليكدس في البنوك رزمات من أموال هي حق للكاتب المسروق، لكن الناس الذي بحث بينهم الفيلسوف عن إنسان ما زالوا يجوبون الشوارع والأرصفة، وما زال المصباح منيرا وسط الظهيرة دون أن يجد بينهم من يستحق أن يلامسه نوره المنبعث من أزمة فيلسوف مات وهو يقف على شاطئ البحث، دون أن تدلف قدمه نحو المد، اعرف الماغوط الذي قال انه يبحث عن رباط لحذائه، قبل أن يبحث عن بحور الشعر وأوزانه.
اعرف احمد فؤاد نجم، الذي قال للقذافي حين سأله كيف استطيع دعمك، فأجاب، بان تبتعد عني، رغم بيته الأسوأ من الزنزانه.
اعرف البارودي، منارة القول والعمل، اعرفه منفيا، يتلقى خبر أهله واحدا تلو الآخر، واراه وهو يفقد بصره، لكنه يظل البارودي، الشاعر الذي اخضع الشعر لرجولته، وألمه، لوطنه ودينه، اعرفه معرفة النفس للنفس، والقلب للقلب، حين "نفض يديه من الزمان وأهله"، وانطوى على ذاته انطواء الإنسان على الإنسان.
اعرف بيرم التونسي وحافظ إبراهيم، واعرف مكسيم غوركي واشفيتزر، اعرفهم وهم يلجون أعماق النواة المشكلة لنواة المرايا، اعرفهم جميعا وهم يقفون على حافة اللاشيء والمستحيل، ليصنعوا من أناملهم المرهقة من زحمة القلم والفكرة، أشياء تعجز العقول عن استيعابها أو إدراك خفاياها.
ابكي معهم، اشعر بألمهم، أتمنى ومن نواة القلب وسويداء الروح أن أتحول إلى مارد يخرج من مصباح الكون السحري، لانتشل أناتهم المشروخة الموزعة بين الصفحات وبين السطور.
اعرف أولئك الموزعين في القارة السوداء، على مساحات العوز والفاقة والموت والفناء، واراهم وهم يحملون أنفسهم على أقدام تبدو عظامها قابلة للتكسر والتشظي والتفتت والتناثر، وأغص قهرا من أولئك المثقفين المتشدقين بالمتوارث من الحكم الفارغة الفحوى والمضمون، أكاد أتميز قهرا وغلا حين اسمعهم يرددون "بأنه لا احد يموت من الجوع".
أحاول وبكل طاقتي وطاقة البارودي والخنساء، أن أتوغل في نفوسهم المطمئنة لمقولة يكذبها وينسفها واقع أم جف ما في نهدها الممصوص من الحياة كل ما يتصل بالبقاء، ومن طفل يجول الموت حوله بتأن وتؤدة، وكأنه يعذبه عن سبق إصرار وترصد، عن سبق يقين وتعمد، وهو يذوي قليلا قليلا، والناس المصابة بالتخمة والنقرس تعلن تعاطفها مع طفل تمنع الموت والفناء عن الإسراع إليه.
اعرف شوارع العراق، حاضرة الخلافة العباسية، حاضرة الرشيد والمعتصم والمأمون، اعرفها وهي تستقبل الجثث والدماء والدمار والخراب، اعرف نهر دجلة الحزين الحزين، وشارع أبي النواس، والرصافة المتفجرة بعين ماء الحكمة والشعر، اعرف كل هذا وهو يئن أنين حشرجة تخجل من الظهور.
اعرف ثوار فلسطين البواسل، وهم يملأون السماء بالرصاص، سماء الوطن المجروح والمدمى، واعرفهم وهم يملأون صدور أنفسهم بالموت والانتقام والدمار والخراب.
اعرف الآباء المقعدين عجزا وقهرا وذلا حين يتعالى نشيج رضيع لا يملك والده ثمن علبة حليب جاف، واعرف قلب الأم التي تستقبل ولدها المذبوح برصاص الوطن وسكين المقاومة.
اعرف "علماء" الأمة الأفاضل، وهم يلوكون القضايا والمسائل كما تلوك النساء حبة علكة، اعرفهم وهم يتقدمون نحو العروش والبنوك، حاملين الفتوى المفصلة في مخيطة الهزيمة، تاركين المقاس دون نمرة أو تحديد، منتظرين حجم الرضا وحجم المدفوع، ليمدوا مقاس الفتوى أو يختصروه، حسب امتداد الرضا وتضخم المدفوع.
اعرفهم وهم يغادرون بالطائرات من سماء إلى سماء، من سماء العلم إلى سماء أمريكا، ليصافحوا هناك من مهمتهم صياغة العقل المسلم بطريقة العصر والديمقراطية التي تفشت في العراق وفلسطين ولبنان والسودان.
نعم هي المرايا، مرايا الطفولة التي كانت تحاول وبطريقتها الخاصة أن تنبهني بالمستقبل، وكانت حين تجعل يميني شمالا، وشمالي يمينا، تحاول تمرير رسالة ما، سهلة الوصول، لكنها عصية على العقل الصغير الذي كان يرى بإمام المسجد الغارق بالجهل عالما لا يشق له غبار، وفي المعلم، شخصية لا تخضع للخطأ أو الانهيار .
هي المرايا يا صديقي، ذاتها، التي قادتني نحو السجون، لأعرف هناك أصناف الرجال وأصناف الذكور، لأعرف هناك من قدم روحه للوطن والانتماء، ومن قادته الصدف العمياء المغلفة بالجهل واللاإرادة، ليصبح البطل صامتا، والجاهل المقاد بالصدفة إلى نبًاحا يطلب أمر الحل والعقد، فتاتي المرايا بكل ما فيها من مصقول الحق لتعكس أشعة الشمس والحقيقة، فتفشل، وتتحول بأيدي المدعين النابحين إلى أدوات يمكنها الانخراط في مهرجان أو الانخراط في تمثيلية.
نعم، مرايا الطفولة، ناعمة مخملية، فيها من الخضرة والحياة والتفجر ما فيها، وفيها من البراءة حجم براءة الطفولة ذاتها، فيها من حنان الأمومة ما يوزع على الجبال والوديان والسواحل والشطآن.
لكنها المرايا الأخرى، مرايا النفاق والكفر والطمع والجشع، هي التي تحكم وتتحكم في مصائر الناس والأوطان والأرض والفضاء.
تيسير فضة، وماجد غانم، عرفا كغيرهما تلك المرايا التي تحب وتكره، تدني وتقصي، تظلم وترحم، لكن ببراءة العمر الذي غادرا فيه إلى ظلمات الموت والفناء، حيث هناك تختفي الأشياء والمرايا، وتختفي المكونات والمشكلات، لتسيطر حقيقة واحدة، لا نعلم عنها غير شدة ظلمتها وغور مسافاتها الفاصلة بين زمن وزمن.
هنيئا لكما يا صديقي الطفولة، هنيئا لكما ظلمة القبر ووحشته، هنيئا لكما الموت وأنتما لا زلتما لا تعرفان عن المرايا سوى مد اللسان والتعري أمام ساكنها.
مأمون احمد مصطفى
فلسطين- مخيم طول كرم
النرويج-21-4-2006