... بيد أنه كان مذعورا، ويداه ترتجفان رغم مايحمله من سلاح، للحظات ظلَّ واقفًا أمام الفتى الغزاوي الجريح الأعزل من السلاح، وفوهة رشاشه مصوبة نحو قلبه الحزين على أهله، وهو يبحث عنهم تحت الأنقاض بعد قصف طائرة العدو F16 منزله في أطراف غزة خلا ل ليلة مرَّت على المخيم قاسية لم تنم فيها عين للأهالي، بينما كان رفاق الجندي يبحثون عن المجاهدين في مكان قريب ليحظوا بصيدٍ غزاوي ثمين يروي تعطشهم لسفك الدماء. قال الصهيوني وهو يضربه بكعب رشاشه:
- سأدهسك بنعلي كالصرصار.
أجابه الشاب وقد تعفر وجهه بالغبار وهباب الحرائق دون أن ترمش له عين من تهديد الجندي الصهيوني الذي يبدو مصابًا بهستيريا الحرب :
- تبًا لك، والله إن صرصار المجاري لهو أطهر منك، حسبي اللهُ نعم الوكيل.
- سأقتلك
- سألحق بمن سبقوني إلى جنات النعيم.
اشتد غيظ الصهيوني مما سمع، ولمعت عيناه بالغيظ، وهو يناوله ضربة قوية فوق ساعده الجريح، جعلته يصرخ: ياالله.
يجيبه الجندي بغضب: سأرسلك إلى جحيم إلاهِك ياحشرة.
تماسك الشاب في محاولة لامتصاص شدة الألم، مكررا نداء استعانته بالله الذي أغاظ الجندي، وجعله يوجه رشاشه باتجاه رأسهِ هذه المره، وصوته يهدر بوحشية:
- سأحطم رأسك وأكسر عظامك.
- خسئت يامجرم، القِ سلاحك لنرى من سيحطم رأس الآخر.
يعوي الكلب المسعور بصوت الجندي، بينما يظل الغزاوي صامدا أمام خصمه الكريه، والدم ينزف من جراحه، وما زالت شفتاه تتمتمان بالدعاء، بينما تعلَّقت عيناه بالسماء. يحتد الصهيوني، يهجم عليه، يرميه أرضًا، يحاول أن يكسر ساعده بكعب الرشاش، يستنجد الشاب بربه، وهو يبعد الرشاش عنه بقدميه، يلتقط الجندي حجرا كبيرا من فوق أنقاض البيت الذي أحاله صاروخ العدو إلى خراب، ويرمي به فوق رأسه، يكاد يفقده الوعي، تهمي دماؤه فوق الحطام، يحس بانسكابها فوق صدر أمه وأبيه، يغضب، تتولد فيه قوة من ألم، يقرر الصمود، مازال أمامه وقت للانتقام من قاتل أهله، يتنفس بعمق بينما يشتعل الصهيوني غيظا، لم يرتو الظالمُ من تفجير شرايين الجريح الأعزل، فينهال عليه ركلا وضربًا، حتى يتعب فيستعد للاجهاز عليه بالرصاص، خوفًا من أن ينتفض الجريح وينقض عليه، وقبل أن يضغط فوق زناد رشاشه تأتيه رصاصة تستقر في رأسه، فيقع تحت أقدام الغزاوي مضرجا بدمائه، بينما تخرج أخت سامر من وراء الأنقاض لتذهب به بعيدا عن البيت الذي كان قبلَ قليلٍ .........
بقلم
زاهية بنت البحر
قصة من وحي الأحداث في غزة هاشم الصامدة