انغمست في الحضرة الإلهية..واستسلمت ..وتُهتُ في ملَكوته..وصارت روحي بين يديه ..تُقلِّبها رحمتُه كيف تشاء..
قبل الاسترخاء؛والغطس..سبحت بذهني عبر مِخْيالي..أترصّد خُطُواتي ـ غدا ـ عبر محيطي؛وما أجلبه لنفسي من منفعة ..
فإذا بي دون سابق إنذار ..غير مُهيّءٍ تماما..أَجِدُني مُتَّجها إلى الشرق..واقفا..مُوَزَّعٌ بصري على قبور مفتوحة ؛تتأهّبُ لاحتضان أهلها ..
زادت دهشتي ؛وتفاقم انبهاري؛أنّ امرأةً ـ على غير المعهود ـ تحفُرُ قبرا آخر..
تراكم فوق الاستغراب الفُضولُ..في المقبرة بعض القبور مُضيئةٌ ..لكن هذه التي حُفِرت مُظلِمَةٌ..
وسألت نفسي إذا كانت ستسْتَنيرُ بعد استقبالها ضيوفها ..
التفتُّ إلى المرأة ؛فإذا فأسها يقع على صخرة صَلْدةٍ..لكنها تَهْوي عليها بكلِّ قُوَّتِها ؛مُسْتَشيطةً غيضا ؛تجتهد في تفْتيتِها ؛وهي تسْتعْصي..تَشُقُّها ؛تَفُتُّ كَبِدَها ..كُلَّما تَطايرت شظاياها ؛لاحت ملامِحُ الرضىوالسّعادة على مُحَيّاها ..
احترت ..تردّدْتُ..وَجِلْتُ..أربكني المنظرُ..قبر أصمٌّ كسابقيه؛تفتح صخرتُه ذِراعيْها لتحضن القادِم..
استجمعت قوَّتي ؛وبادرتها بالسؤال :
ـ أي تعيس هذا الذي سيَفِدُ ضيفا غير مرغوب فيه هذا المساء؟ ومن أنت؟
التفتت مكشرة ..عابسة ..كالحة الوجه؛مُنْحنيةًعلى قبضة مِجْرفتها ..
ـ هنا قبر صديقي ..أنا نرجِسيّة..أوليس المرء مرهون بعمله؟؟
ـ ما النرجسية ياهذه؟
ـ أن تحب ذاتك ..أن تستحوذ على شيء من الأنانية ؟
ـ لم أفهم ..وما معنى هذا الاسم الذي مُنيتِ به ؟
ـ أن تنسب كل فضيلة إلى نفسك ..وتُلحِق نقائص الهزيمة بغيرك..صديقي الآن منشغل بتحْصيل المنافع ..سيُقْبض فجْأة..كل مرّة يغفل يزيد طمعُه ..فيُلْحِقَ حقوق الآخرين بِحِصَّتِه ..كنت أحرِّضه ..كان يحبني إلى درجة الانشغال ..وهنا ..هنا داخل القبر سأكون مصدر ندمه ..رفضت السجود له هناك ..وسأنتقم هنا..
لكن أيتها الشّمطاء ..الكل يتحدّث عن الصِّدق ..
هــه ..هههــه ..أقوال اللسان ..أنا الأفعال ..صديقي لايتخلّف عن صلاة ..ولا زكاة ..ولا ..ولا ..
وولِجت باطني ..أفتِّش بداخلي ..تذكّرتُ أنّني أيام مِحْنَتي ؛أحْببْتُ سورة الزُّمر..وقفت يوميا عند آياتها الأربع بمفهوم // فاعبد الله مُخْلِصا له الدين//.
ومع فزع الهزيع ؛أُرْسِلت روحي على صوت المؤذّن المُهلّل ؛فأسرعت مع هذا السّحر ؛أقاتل نرجسيّتي بالاستغفار ؛مُناجيا ؛عازما :
اللهم عافنا في أرواحنا.. وفي أبداننا ..
اللهم اجعل كُلَّ مظالمي صدقة لي ..
اللهم اشهد أنني سامحت كل مخلوقاتك ..
اللهم اجعلني ممّن يُغادِرون في صمت و سلام ..آمنين..
اللهم إني أعوذ بك من ضمّة القبر التي لم يسلُمْ منها حتى / سعد بن مُعاذ/ ـ رضي الله عنه..
اللهم ..
اللهم ..
اللهم..