الفن التشكيلى السعودى : أسماء ، ذكريات ،حكايات ، وقائع !!
قضيت فترة فى القطر السعودى الشقيق ، وارتبطت بصداقات قوية مع عدد كبير من الفنانين التشكيليين الذين كنت أتابع أعمالهم بمودة وشغف ، وفى هذا المجال أذكر أن الصديق الناقد أحمد سماحة كان مقيما فى المملكة لمدة طويلة قبل وصولى وقد عرفنى على عدد من أبرز وجوه هذه الحركة الوليدة ،غير أن وجودى فى مكتب واحد مع الفنان الدمث ، رقيق الحاشية عبد الرحمن السليمان كان له دوره الهام فى التعرف على عدد أكبرمن فنانى المملكة ممن كانوا يرسلون له أخبارهم ، وصور من لوحاتهم للنشر عبر ثمان صفحات ملونة كان يشملها الملحق الأسبوعى .
وكانت المعارض التى تقام على صالة مكتب الرئاسة العامة لرعاية الشباب تمدنى بذخيرة لا بأس بها من فهم تيارات الفنية القديمة والحداثية ، ناهيك عن الزيارات الشخصية التى كنا نزور فيها الفنانين فى مراسمهم وبيوتهم ، نذكر منها زيارتنا لعلىالصفارومنير الحجى فى القطيف ، وعبد الله الشيخ فى الجبيل ، و كمال المعلم فى سيهات ، ومنيرة مو صلى فى الجبيل ، وأحمد السبت ومحمد الصندل فى الأحساء، وغيرها من لقاءات فنية شديدة الأهمية ، حيث كانت تتحول الزيارة إلى ندوة موسعة حول شتى القضايا الفنية .
كانت حجرتنا الصغيرة فى حى البادية والتى أشغلها مع الشاعر حسن السبع، والفنان عبد الرحمن السليمان ( أبو محمد ) ، يشاركنا فيها الشاعر أحمد سماحة ، فى الطابق الثانى لجريدة "اليوم " هى نقطة انطلاق لملاحقة المعارض الدائمة كل أسبوع ، أتذكر أسماء فنانين وفنانات وقفنا أمام تجاربهم فى انبهار : منى النزهة ، وحميدة السنان فى القطيف ، وزمان جاسم الشاب الطموح الذى يقدم معالجات رائعة بخامة الخيش فى الخبر ، ثم عبد العظيم الضامن فى تاروت على ما أذكر ،ثم البقع اللونية المحيرة التى كان ينثرها أمامنا عبد العزيز الماجد ، وأسماء لاتنسى منها العجوز المجدد محمد الصقعبى ، ومعارض أشاهدها وأكتب عنها دون أن أعرف أصحابها ، سأعرفهم فى وقت لاحق ، وبالصدفة البحتة مثل عبد الجبار اليحيا ، ناصر الموسى ، يوسف جاها ، محمد الحمد ، عبد العزيز عاشور ، بكر شيخون ، عبد الله حماس ، رائدة عاشور ، شاليمار شربتلى ، شادية عالم .. مدارس فنية يتعانق فيها التعبيرى بالتأثيرى ، البورتريه الواقعى بالتجريدى القح ، الحروفية المضببة بالسيريالية الطموح ، ونحن نتسربل بالضوء ، ونعاود اكتشاف الجمال فى نسيج اللوحة ، ملمسها ، أسلوب المعالجة ، زاوية الالتقاط ، كمية الضوء .
سمت منيرة موصلى معرضا فنيا لها لها باسم" ترك الأثر" ، وكان يوم افتتاح المعرض بالخبر هو يوم تعرفى بعبد العزيز مشرى و شقيقه الجميل دائما أحمد .
يومها استضافنا الشاعر الكبير على الدمينى فى منزله بحى "الدوحة" ، وسهرنا حتى الصباح . كان معنا الرائع شاكر الشيخ ، ومحمد الدمينى ،و عبد الرؤوف الغزال ، ومحمد عبيد الحربى ، ولا أنسى وجه عبد العزيز البشوش وهو يغالب آلام الجسد ، ويغمرنا بدفئه المدهش .
يزورنا صالح خطاب ومعه مجموعة من فنانى المدينة المنورة ، هل لى أن أنسى تلك الخطوط التى تبدو كالأوشحة فى لوحات صالح خطاب ، ورواشين فؤاد مغربل المدهشة ؟
ألتقى بعبد الله إدريس وأحاوره فى تجربته ، ويدبر لى السليمان لقاء آخر مع على الرزيزاء وتكون مقابلة ساخنة أعنونها بعنوان لافت هو " على الرزيزاء يطلق النار على التشكيل " .
لا أظن أن ناقدا التفت لفكرة الحوارات ، ودورها فى كشف ضرورة الوعى الفكرى والجمالى للفنان مثلى ؛ فاللوحة ليست خطا ولونا فقط .. هى وعى وموقف كما أنها ثقافة واختيار اجتماعى وسياسى !!
على ذكر النقاد الذين ساعدونا داخل المملكة أذكر صديقى الفنان محمد كمال الذى كان ينشر مادته بلا مقابل ، ويسهم فى إثراء الواقع التشكيلى( يشارك كمحرر تشكيلى فى جريدة القاهرة حاليا ) ، ومعه صديقنا هشام قنديل مدير إتيليه جدة ، وقد استضاف فترة وجودى الفنان المصرى الدكتور عبد الوهاب عبد المحسن لأقامة ورشة عمل حول فن الجرافيك ، قابلت كذلك الفنان السورى ربيع الأخرس المقيم بجدة .
المتابع لدور الملحق الثقافى ل" اليوم " يذكر بالخير فنانين كانوا يقدمون من مكتب القاهرة مادة رصينة تتجاوز الفن المصرى والعربى إلى العالمى وهم : المرحوم الفنان محمود بقشيش ، الفنان الكبير عز الدين نجيب ، الناقد عادل ثابت ، الناقد سامى البلشى . وكان معنا ناقد سورى سأحاول أن أتذكر أسمه، لعله يوسف شغرى . نعم شغرى الفنان اللطيف والبرىء حد الموت ، كذلك فنان رائع يعمل مصمما للإعلانات باليوم هو هشام محيى ، وقد صاحبنى طوال فترة إقامة معرض صديقنا كمال المعلم ( معرض فرسى ) ، وكان المعلم قد ابتدع فكرة غناء كلمات على العود للفرس غناها فنان بحرينى أظنه سليمان زيمان فى شريط تسجيل يتردد فترة العرض .
بدرية الناصر شاهدت لها معرضا كتبت فى العنوان الرئيسى للمقال : " الفنانة ترثى الذات والعالم " ، كانت تأتى لنا أخبار من المنطقة الجنوبية ، وأتذكر اسم الفنان على عسيرى ، أتذكركذلك تجمع فنانى مكة طه الصبان ، وعبد الله نواوى ، ومهدى الجريبى ، والأخير قدم لنا لوحات تجريبية مثيرة فى بينالى القاهرة الأخير ولفت الانتباه بقوة لتقنياته المتقدمة ، غير أننى أتوقف طويلا أمام لوحات الصبان لعنصر القوة ، واختياره للألوان الصاخبة التى تضفى عنفوانا عارما على فضاء اللوحة . وغير ما تقدم يأتى جيل جديد منه عوضة الزهرانى من مكة أيضا و أعماله تحوى حسا تجريديا يموج بالصراع .
فى تجوالنا الفنى الذى لم يخفت لحظة تعرفنا كذلك على جيل الرواد :
محمد السليم ، عبد الحليم رضوى ، جميل مرزا ، أحمد الدشاش ،عبد الرشيد سلطان . وهو جيل كافح لوضع الحصان أمام العربة فور عودتهم أو أغلبهم من بعثاتهم التعليمية فى الخارج . وأتذكر أن مدرسى التربية الفنية قد لعبوا دورا كبيرا فى إضفاء القيمة على النماذج الفنية، بل أن رصدى المحايد يبين بجلاء أن هؤلاء المدرسين قاموا بدور تنويرى حين نشروا الفن التشكيلى وتبنوا المواهب بخبراتهم ، وهذا دور يضاف إلى أدوارهم الطليعية فى الكشف عن تجليات الطبيعة الرائعة عبر لوحاتهم الأولى التى تعمقت فيما بعد بالاحتكاك والممارسة .
لقد كلفتنى مجلة الخطوط السعودية مرة أو مرتين أن أحرر مادة فنية عن حركة الفنون التشكيلية بالمملكة ، كما ان الأعداد الأولى من مجلة " النص الجديد "، وبتكليف من الصديق على الدمينى
قد احتوت على تغطية فنية للنشاط التشكيلى الذى كنت متابعا أمينا له فى الفترة من 1991إلى 1995 ، ثم تابعت ذات الحركة الناهضة على استحياء فى القاهرة بعد عودتى .
لقد أقيمت بعض الاحتفاليات الفنية بعاصمة المعز، وكنت أحرص على السفر إليها وتسجيل انطباعاتى النقدية بدفتر الزيارات باعتبارى شاهدا على حركة أراها تنحت فى الصخر بقوة، وبعزم لا يلين .
و قد قام الدكتور أحمد نوار بدور هام فى التعريف بالحركة فى الفترة التى تولى فيها مهمة نقيب الفنانين التشكيليين بمصر وبالقدر نفسه الفنان والقاص الرائع عز الدين نجيب ( صاحب مجموعة قصصية باسم المثلث الفيروزى ) .
مرة كنا نركب سيارة واحدة ، فى طريقنا إلى الاحساء : عبد الرحمن السليمان ، أحمد سماحة ، وأنا . كانت ثمة منافسة لا تفتر فى التغطيات الصحفية بينى وبين صديقى أحمد سماحة ، واحتكمنا إلى أبو محمد ، وكان له رأى أعتقد أن به قدر من الوجاهة .
يقول السليمان : " أحمد سماحة فى مقالاته النقدية يوشى جمله وكلماته بمشاهد ومقتطفات من وحى السينما ، أما الفيل فيعبر عن اللوحة من خلال حس شاعرى أصيل، وأحيانا سردى حكائى ."
وقد سألت نفسى مرة : ما الذى دفعك لتعيش فى خضم حركة تشكيلية كان من المفروض أن تعايشها من السطح ، وأن توصفها من الخارج ، ما الذى دفعك إلى أن تعيش فى عنفوان حراكها ، و معمعة تحولاتها ؟
لم أجد تفسيرا إلا أننى أحببت هؤلاء الناس ، وقد مست أعمالهم المنطقة الدفينة الممسوسة بالجمال داخل نفسى ، فرأيت أن أقاسمهم الفرح الانسانى بالأنفتاح على آفاق أوسع ، وبنهل الإشراق العذب ، والاحساس الخلاق باللون والخط والحركة !!
__________________