تـــناقضات يــحبها الشعر..نشرت القصيدة كاملة في جريدة الجزائر نيوز..الأثر/دفتر في الفكر والأدب/العدد:1581.ص:12التاريخ : الثلاثاء24/03/2009..
محمد الأمين السعيدي..
وصفة القصيدة الإيقاعية:
قصيدة تنوع ايقاعها الموسيقي ..الفاتحة.. الكامل..فاعلاتن ..الشعر العمودي..
وحوت خمس تناقضاتٍ..التناقض الأول ..من بحر المتدارك..تفعيلة..فاعلن..من شعر التفعيلة..
والتناقض الثاني والثالث..من المتقارب..فعول ..ش.التفعيلة..
والتناقض الرابع والخامس....من عمودي البسيط..مستفعلن فاعلن..اعتمد نمطية التدوير../ صدرين وعجز/..
أما الخامس..فـ صدر ثم عجزين..وبيت..
الخاتمة..قطعة نثرية ..
يبدو الشاعر مقتدرا على التلاعب بالوزن كيف يشاء ..وهي سمة لاتتوفّر لكل الشعراء..باحثا عن التجديد الإيقاعي الموسيقي الشعري..من العمودي ..إلى التفعيلة ..إلى القطعة النثرية ..وهو رأي الشاعر ..حر فيه ..يقر القصيدة النثرية التي لاأرى لها مكانا في الشعر .مهما كان إيقاعها فهي نثر..والنثر الحديث بني في منتوجه القصصي والحكائي وغيره على الإيقاعية ..
منهجية غير ممنهجة ..غير موثقة:نكتفي في هذه القراءة المتواضعة بــ / الفاتحة/..
لايهمنا التوثيق ..لسنا أمام بحث أكاديمي..إنه الهاجس الثقافي يتكلم حرا ..لاتكبله عوائق..ولاتحد مساحته نظرية ..إلا ما اخترناه لنفسنا..من أدوات إجرائية؛جزئية تفرضها طبيعة الحالة والفكرة..
نتناول مشهد المقطع من خلال الصور الجمالية الفنية الكثيفة المركبة والجزئية التي تطغى على شاعرية الشاعر ..حتى ميزته..ونتعرف على ما أنتجته من مداليل تعكس الحالة النفسية للشاعر ؛ونتناول ضمنيا علاقة التماهي ؛والتنافذ بين الشاعر وحروفه التي شكلت لوحات شعرية زاخرة ..
ثم نعرج على جديد الشاعر في الوقوف على الأطلال ..بل البكاء عليها ..والمسار الذي نهجه الشاعر في الحب ..على طبيعة المسلم المؤمن ..لاالجاهلي..وكيف تحوّلت طاقة الحب إلى ..دافع إبداع ..وإثبات وجود؟؟
حول مشهدية وتأويلية للقصيدة:ونحن نحاول أن نقارب القصيدة فقط..منذ الفاتحة يعلن الشاعر أن صفاء قلبه باعث صفاءُ مشحونِ لغتهِ ..من أفكار ..وأحاسيس ..ومواقف ..وإيقاع ..بأسلوبه يصير هو ذات الشاعر نفسه..فهو يتوتر ؛ويضطرب؛ويقلق لتنبعث الهواجس من باطن شعوره..حتى صارت هيئته الفيزيولوجية هي قصيدته التي تتنفسه ؛ويتنفسها..
ويمكنك هنا ممشاهدة قيم الأحاسيس النفسية التي جسّمها بالصور الطبيعية ..فتطابقت عنده عناصر الرومانسية بالذات الشاعرة..فإذا به يخرج مكنون النفس المجرّد ..في صور باهية زاهية بألوانها ..مما يثير القارئ ..ويساعده على تنسم نفحات الحب..وينتعش بكامنه الهوى ..فهو كالبحر ؛تحمل نفس اللون المعبّر عن الصفاء..والنقاء..وما يلحق من طهارة وجدان ونبل مشاعر ..حقيقية ..خاضعة للحق..
لغة كلون البحر تحمل زرقتي
فأنا الذي كالبحر قلبي أزرق
في جوها صارت حروفي غيمة هطلت كلاما
في دمي يتدفق
جسدي قصيد.
أمَا وقد انقضى وباد عهد المرح والعافية والغرام الممتع للنفس؛والمهدّئ لكل توتّر ..ففي خضم الغرام ترفّع ؛وتطهّرَ من الوقوع في منزلقاته..فقابل سخاء الحب بالتعفف والصّدود..ولكنه ترك بصماته كالحة ؛عابسة؛تولّد الحرمان ثائرة ؛زفِرة..ويقف في حاضره بعد أن عاوده زمن الجفاف؛يحنُّ تارة إلى هذا الغرام؛وسرعان ما يكبته الضمير الحي المتّقدالصاحي؛ليقع في حيرة و بين متناقضي الحرمان المتنافر مع رغبة متابعة سير التّعفّف..فاضطرمت نيران شعره ؛وانبعثت في الحروف السّاخنة ؛المترعة بالبوح ؛والصراخ؛والإفصاح عن شوق يُداريه..لتتفجّر القريحة الشّعرية تكشف المكبوت..فتؤثِّر في المتلقي ؛وترسل فيه موات المشاعر يقظة ؛مترصّدة ..تشفق على هذا القلب الأسير ؛وتبحث عن سبيل لاختراق مغالقه..فصارت الكلمات الرقيقة ؛الحنونة قيدا آسرا لكل قلب..غافل مسترْخٍ..فهي نار حزينة محرقة..
ونقف هنا عند هذا المشهد البديع الذي شكلته رائحة ولون البنفسج؛والأنهار التي تقذف الحمم عوض لماء الصافي..وتتصور ثورتها وشهيقها كما جهنم..وما كان ماء شعريا صار نارا حارقة..
غار في أعماقه زمن البنفسج والغرام الشيّقإن ذكريات أفراح حياة المتعة السابقة انتهت بلمعان الدموع منحدرة مستديرة كالنجوم متألقة ..وإذا بما كانت بدايته لذة في غِرّة الشباب وغفلته ؛انتهى إلى ألم جارح؛ كاسح..لكنها روح الشاعر التي صنعت منه المآسي الحالية..حاضرا في الوِجدان .. شاعرا متميزاعن العامة ..وإذا بالموهبة التي فجرها حزن الحاضر على السعادة البائدة تفعل مفعولها؛وتنقله من الضمور والانطواء ..إلى الظهور والانبساط..وهو حال كل شاعر ..لاتزيده العوائق إلاّ تحديا ..
أغرقْت في أنهاره عطشا نما في داخلي حمما
تثور وتشهق
تتعانق الأضداد في أنحائه
فيصير ماء الشعر نارا تحرق.
ومن قلب الألم تفتَّح أبواب الأمل ؛وتصنع منه إنسانا إيجابيا ؛فعّالا ؛مِعْطاء..ولكن بمعاشرة المآسي..لينقلب اللهو إلى جِدٍ ..وتنطلق الحياة في حفل بهيج رافلة في المجد والعلا..لقد أنشد له الحب ؛وحرّك كوامن مشاعره ؛وثبّت عزيمته..وشجّعته هموم الحيرة والمغالبة الدائمة ؛وفي مكابدة ٍ تُشاكِلُ سير الشاعر..حتى انقلبت بدواخله الموازين فولّد الجزن الفرح..وولّدت الهموم الحب..كمن أشرقت شمسه من مغربها يصاحبها جنونه الشعري..
ويواصل تجسيد المشهد حتى يبدو ماثلا للعين..حيث الأحزان رجل يصالح والأفراح كذلك رجل يصالح..والدموع صارت للرائي نجوم متألقة متللألئة..والجرح إنسان يرقص؛ويبتسم في الروح..والهموم آخر يصفق..والشمس والجنون..كلاهما أشرق من المغرب ..فمن صلب العذاب يتطلع المؤمن إلى جنان حور العين..
وتصالح الأحزانويعود في الأسطر الأخيرة إلى الحروف الطاهرة المتعففة ؛المترفّعة..لتفتح له ذراعيها ؛وتحضنه بشوق المُولَهِ ؛وما يزال واثبا في مغالبة دائمة..وإذا بالشعر في مفهوم الشاعر جنون بني على فنية متضاربة لامنطق فيها..وفي الواقع ماهي إلاّ حالات النفس بين نقيضي الحق والباطل..
أفراحي التي جعلت دموعي أنجما تتألق
الجرح يرقص باسما في مهجتي
والحب يبكي
والهموم تصفّق
والشمس تشرق من جِهات مغاربي
وأرى جنوني كالمغارب يشرق.
تقف هنا عند مشهد بديع يصور الحالة ؛ويقرب البعيد..فالغانيات إن كانت متعففات بجمالهن مترفعات عن الدنايا ؛صارت هي حروفه التي تزوره مقبلة برغبة منقادة..وهي ذاتها التي تفتح الأبواب المغلقة ..والشاعر بين لذة هوى النفس ..وقيد العقل ؛وسلطان الضمير ..
وأرى الحروف الغانيات تزورني
وتفتّح الأبواب حين تُغلق
هذا أنا متمسك بتناقضي
والشعر كون تناقض لامنطق.الشاعر والأطلال:لم يقف الشاعر يبكي الأطلال على عادة القدماء..
بل استبدلها بالبكاء على ذكريات الغرة وعنفوان الشباب ..وكيف أدرك الحب عن بعد ..ولم يطق التقرب منه بسبب الحواجز الدينية الناهية المانعة ..وإذا به يعرف لذّته ويكابره بالصبر ..وكأنه يؤجل الحب إلى مستقره الحقيقي ..حيث الباءة والأولاد..وقد كذب من ظن أن كل الجيل تأثر بالغرب ..وما عاد في مقدوره الانتظار أو الصبر ..أو الوعي بعواقب الأمور..وإذا بالمنظومة التربوية مازالت تصنع الرجال والنساء ..كل حسب رغبته واختياره..
وفي كل الأحوال فإن ألم الحب ..صنع الإنسان ..هذا ما نستشفه..وكأن الجزاء على الصبر الذي لايطاق في الحب ..هو الدافع إلى الاجتهاد في تحقيق الغايات التي منها سعادة زوجية..