لا أدري ما فعلته القهوة الصباحية اليوم بي ..
جلستُ في مقهى أمقته للغاية ، والعجيب أنه أعادني لذكريات جميلة أحبها للغاية ، أعادني لعالم جميل لا أظنه سيرجع ، لكن عطره لا يزال يمتطي الريح ، ويسير إلى أعماق النفوس ...
الحقيقة أردتُ أن أعتذر لصاحب المقهى عن كرهي لمقهاه ، أردتُ أن أعتذر من الطاولات لعدم لباقتي معها ، أردت أن اشكرهم لأنهم أعادوني إلى الأندلس..
آه ما أفخر ذلك الشعور ، بل ما أروع تلك اللحظة ، بل ما أروعك يا أندلس..
والله لا أبالغ إن قلت : إنني رأيت ولادة تتبختر أمامي ، ولسانها يقول:
أمكن عاشقي من لثم خدي وأهدي قبلتي من يشتهيها
ولا أخفي أنني وجدتني أقول:
رماكِ بكِ الهوى ورمى غرامي فكنت المستهام أتيه تيها أقبل كل ناصية وخدٍّ وأندلس يُقبلني ذويها أنا فرح تجمع في عروقي وقلبي ملك عاشقة وفيها
والحقيقة أنني لم أقف عند ولادة بنت المستكفي ، بل أخذت أتجوّل في شوارع الأندلس ، والدموع لا تفارقني فرحا وحزنا ، كنت سعيدا حد الثمالة بتواجدي هناك ، وحزينا لأني أعرف أن هذا مجرد حلم ، وأنني سأستفيق لأجد نفسي في المقهى الذي كنت أكرهه وصرت أحبه ، ترى هل لاحت ولادة بنت المستكفي لتقيم الصلح بيني وبين هذا المكان ؟..
ربما لكن طيفها بالدرجة الأولى أقام صلحا بيني و بين نفسي ، بيني وبين تاريخي الذي أحبه ولا أرحمه بانتقاداتي ، بيني وبين الشعر الذي كان يتبختر ذات يوم هناك في الأندلس وهو اليوم يتبختر في قلبي ، الحقيقة أنا الآن أشعر أنني الأندلس ، وأن الشعر لا يزال يتبختر في شوارعها كما كان ، لكنني كنتُ مغفلا لأنني لم أنتبه أن أجدادنا لما غادروا تلك البلاد ، زرعوا الأندلس في قلوبنا ، ووعدوها أننا سنخرجها إلى الواقع من جديد ، أننا سنفني أعمارنا في حبها ، سنتراقص كالنجمة فرحا بميلادها الثاني ، سنتفتح كالوردة على أشعة قلبها الذي لا يزال ينبض بالجمال والسحر والفن .
أنا الآن الأندلس ، أنا شوارعها ، أنا مساجدها ، أنا قصورها ، أنا مجالس جدِّها ولهوها .
صدقوني ..
صدقوني..
إني على وشك البكاء ، على وشك الإغتسال بدموعي ، على وشك أن ارحل بعيدا إليها /إليّ