من أوراق الحرب
جسدي قلعة خربة لم تبق منها الحروب شيئاً.. و لم يرممها المحاربون!، عيناي حزن خارج السيطرة، كأسان يداي فارغتان، تملؤهما الرغبة في العطاء والمحبة، وبين كتفي حجر يتكسر تحت وقع الأحلام التي لا تتحقق..، المنتظر لا يعود ! و المنتظر يرجوا أن يكون ذاك أهلا للثقة! حطام السفينة المكسورة على الشاطئ.. هجرها الربان لتبني فيها الطيور أعشاشها في مواسم اللقاء! إذا كان كل الربابين قواداً صالحين..! فمن أين جاءت المراكب الغرقى؟! في قلبي زهرة صغيرة.. تحلم أن يسقيها الذي زرعها.. و ثغري إمَّا مُغلقٌ على بوحٍ .. أو مفتوح على آهة! كل الذين وعدوني بالبقاء… رحلوا وكل الذين وعدوني بالمجيء بعد الرحيل.. لم يأتوا .. وكل الذين أطعموني التعود.. تركوني بلا فطام .. آهٍ.. أيها العجوز بين أضلاعي.. ماذا تريد..؟ أي زمن هذا الذي يعدنا بالحياة.. ثم يضربنا بالموت؟ أيّها اللحن الأصيل الوحيد الذي أطربني .. اشتقت للغناء بين يديك! هل حقاً لن تعود؟، ستغدر بشجرة الحناء؟ زرعتها في أول عام من رحلتنا.. و لم أبرحها منذ ذلك الوقت.. خضراء كقلبك الذي عصفت به الريح الذاهبة.. أيها الأخضر المتبقي لي من أزمنة الجدب .. ألهبت قدمي الصحراء وأنا امضي إليك.. فلما وصلت تناءيت عني سراباً، إيه يا فيزوة القلب.. متى تخمد نارك ؟ بعد أن وُضعنا مُرغمين تحت (بسطال) الأشقر الآتي من بلاد البرد والعري، أتذكر الطائرات التي حطمت كل شيء حولنا وفينا، الجثث المصفوفة فوق بعضها.. الدماء التي تغادر السيارة لترسم على الإسفلت أشواقاً و أحلاماً مذبوحة، لشبابٍ لم يرغبوا أبداً في الموت ولا القتال .. السيارات كانت تمر بنا و هي تنزف، أو تحمل جراحاً نازفة، لا اعرف، حتى الجمادات كانت تئن و تتألم و تموت، أتذكر بكاء الصغار وركضهم في ارض الله الواسعة، عيونهم مفتوحة بأقصى اتساع لها، ربما تستنجد بنا ظناً بأننا كبارٌ لا نخاف، أسنانهم الصغيرة البيضاء تبرز من أفواههم الصارخة، أتذكر بهدوء قول أحد الصغار لي بعد أن هشمت قذيفة عشه الصغير ((عموا .. إذا بقينا (أحياء) سنبني لنا بيتاً جديداً بعد الحرب))، فتحت عيني في دهشة .. لماذا يتحدث طفل عن انقطاع خيط عمره بهذه العفوية (إذا بقينا أحياء) من الذي حكم عليهم ولماذا؟ حتى هذه اللحظة يحاصرني البكاء عند تذكر عباراته تلك.. كان الأطفال ينامون و يستيقظون على هاجس الموت! مَنْ مِنَّا ينسى صواريخ الأرض ارض و هي تنطلق لتهز أركان الملجأ الخائف، و المنشورات التي تلقى علينا (نحن الجنود) (لا تتركوا مواضعكم).. كيف لا.. ونحن نخشى سقوطها فوق رؤوسنا المليئة بكل ما هو معتم من الأفكار..! كنت أتخيل طوال الوقت جثثنا المنخورة بقواطع الدود، ريثما يعثر علينا من نجا من (المبيدات البشرية).. ويا لهول ما كنت أخشاه من نجاتي و موت الآخرين أمامي..! الطائرات ترمي بحممها على رؤوسنا.. و نحن نبحث عن منخفض يلوذ بانخفاضه ارتفاع قامتنا العراقية سابقاً..))