(ومــا للـمســلــميــن سِــواك حِـصـنٌ )» بقلم عدنان عبد النبي البلداوي » آخر مشاركة: عبدالحكم مندور »»»»» تُطاردنـي اللعنة...» بقلم عبدالله يوسف » آخر مشاركة: عبدالحكم مندور »»»»» مادام لي خالق باللطف يحرسني» بقلم هائل سعيد الصرمي » آخر مشاركة: عبدالحكم مندور »»»»» جفاف» بقلم الفرحان بوعزة » آخر مشاركة: الفرحان بوعزة »»»»» المرجعيّة الإنسانيّة في رواية "أنا مريم"، محمد فتحي المقداد» بقلم محمد فتحي المقداد » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» فوائد من شرح النووي على صحيح مسلم» بقلم بهجت عبدالغني » آخر مشاركة: بهجت عبدالغني »»»»» جراح الأرض» بقلم محمد ذيب سليمان » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» استنكار» بقلم ناظم العربي » آخر مشاركة: أسيل أحمد »»»»» اختراع السلالات» بقلم اسلام رضا » آخر مشاركة: اسلام رضا »»»»» بياض» بقلم ناظم العربي » آخر مشاركة: أسيل أحمد »»»»»
عيناك شاردتان ماذا تبغيان هل تبحثان عن الأليف
ياحلم عينيك ورؤياهما ماتا مع الانسان والزمن الشريف
بسم الله الرحمن الرحيم,
وبه نستعين,ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم,
والحمد لله رب العالمين ,وصلى الله وسلم على محمد معلم الناس الخير, وهادي البشرية إلى صراط الله المستقيم
و بعد فهذه تجربة إنسانية واقعية عميقة سُطرت لنا بأسلوب آسر حليته الصدق .تبدأ بوقفة عند نقطة تحول يلمع خلالها إدراك و وعي لحقيقة في غاية الأهمية....لحظة يقظة و انتباهة وفهم لحقيقة الحياة الفانية وضرورة التزود للباقية.
عند ذلك المنعطف تبدأ الرحلة و ببراعة نادرة يصورها لنا الكاتب تصويرًا دقيقًا ؛فهو يستخدم ضميرالمتكلم, الأمر الذي يجعل القاريء يشاركه التجربة لحظة بلحظة , و بكل ما حملت دقائقها و ثوانيها من احباطات و نصب وتعب حتى أن القاريء ليلهث و هو ينتقل مع الكاتب من مكان لمكان و من زاوية لأخرى وهو يردد..."كيف النضوج ؟وما السبيل إليه؟"
إحساس بمرارة اليتم و حزن عميق يسري في النفس وأنت ترى القاص و قد بات وحيدا عندما فقد الذي منحه الثقة فكان يفضي إليه بمكنونات نفسه,فليس ثمة من روح لبيبة أريبة تسبر أغوار نفسه وتزيح عنها ما تنوء به من أثقال بحنان وحب صادق ."فبت وحيدًا هائمًا وسط رياح تعصف من كل صوب" عبارة ترن في ذهن القاريء ....تحيط به من كل اتجاه .....توقفه قليلًا ليتأمل بلاغة الصدق ثم يعود و يصحب القاص وهو يودع الذي كان يحتمي (برؤيته و خبرته)و يواجه الحياة بعزيمة و شجاعة و إصرار.
فهنا يجري الكاتب بحثًا عن(النضوج) فيبدأ ينشد ضالته في السياسة ولكن سرعان ما يهجرها لأنه رأى فيها قصور الإنسان يتجلى بكل ما فيه من زيف..... فيتجه إلى الفن و لكنه لا يقف عنده بقدر ما وقف عند السياسة ربما لأنه جُبل على حب الصدق والحقيقة فهو قد تربى و نشأ على حب العلم ومهنته كطبيب نزيه تجعله لا يقبل إلا الحقيقة و الواقعية والذي في الفن إنما هوكذب و خداع واستخفاف بالعقل و الذوق الرفيع و ذلك الذي تمجه الفطر السليمة فالكاتب يقول إنه قد (اختار حيزًا ضئيلًا من ذاتي) فهو يحترم ذاته ولا يحب ما يهز ذلك الاحترام .فيعرض عن الفن و يتجه إلى المال وهنا يبرز الضمير الحي و يسري صوته الهاديء وحكمه القوي في نفس الكاتب فيحمله على أن يعيد النظر في ذلك "البريق" كرة بعد كرة حتى اقتنع بضرورة الحفاظ على المباديء,فالكمال لا يكمن هنا ...إذن أين يكمن؟أين يوجد؟...... ثم ينتقل الكاتب إلى البحث عن كنزه في الناس وصحبتهم فيتجلى حب الكاتب للصدق و مقدرته الفذة على فهم جلسائه وما يتمتعون به من سمات شخصية فتراه حذرًا بذكاء وهو يبحث عمن يستحق الثقة فهو يحلل تصرفاتهم ونفسياتهم فتراه يتركهم حفاظًا على مبادئه و مثله .و هنا يقف يبحث في جعبته عن سبيل يبلغه بغيته و يسأل نفسه متحيرًا بأسلوب يحدث ألمًا ليس في نفسه فقط بل في نفس القاريء أيضًا .....(أتراني أم تراني كنت أبحث عن عقل مفكر.....أم صدر واسع رحب ما عدت أدري؟)للاستفهام هنا وقع قوي يجعل القاريء يقف حذرًا مع الكاتب ....إلى أن جاءت لحظة الهداية إلى الطريق الصحيح إلى المكان الذي من دخله وجد السكينة و الاطمئنان و راحة البال ؛فالإيمان بالله وتحقيق ما خلقت من أجله النفس البشرية يورثها قدرة على التوافق النفسي .فكأنك ترى مع الكاتب النور حين بزغ و تحس بزوال الهم والغم و باليقين يسري برده في النفس . فالنضوج إذن هو أن تحقق ما خلقت لأجله وهذا هو عين" الحكمة. "
ذلك هو كنز الكاتب الذي يحبه و يخاف عليه من الضياع فهو يقول :(و في لحظة صحوت من تخبطي وسط هاجس يدفعني إلى الشعور أو القول أن هناك من يحاول إنقاص نضوجي و يذوب إبداعي و يفقدني هويتي.)أظن أن ذلك الهاجس هو سبب قلقه الذي يسميه هو (تخبطي) و هنا ترى قوة وعيه و يقظته فهو على وعي بقدسية كنزه , وبالذي يحاول إضعافه فيجعله يفقد كنزه و يعود للتيه ,وبحاجته لمعين يشد أزره .فأظن أن هذا الوعي هو الذي حرك ما بداخل نفس الكاتب من تجارب و أحاسيس رافقتها كانت قد تكرست مع الزمن فتغلغلت في أعماق نفسه و استقرت هناك حينًا فاستثيرت في لحظة فجعلته يسطر لنا هذه التجربة الفريدة .
و هنا ننتبه إلى أهمية أن نسأل الله الثبات فالثبات أمره عظيم فالله سبحانه و تعالى يقول :" ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئًا قليلًا." و أن نتذكر و صية المصطفى صلى الله عليه و سلم:"احفظ الله, يحفظك. احفظ الله ,تجده تجاهك . و إذا سألت ,فاسأل الله .و إذا استعنت ,فاستعن بالله."و علينا أن نسال الله دائمًا أن يرينا الحق حقًا ويرزقنا اتباعه وأن يرينا الباطل باطلًا ويرزقنا اجتنابه .
أيها الطبيب الأديب لقد وهبك الله أسلوبًا بليغًا يجعل القاريء حينما ينتهي من قراءة النص يقف و عبارات رائعة يتردد صداها في ذاكرته و يحس بأنه قد أبحر في معان راقية سامية وتعلم دروسًا قيمة .فحقًا "إن من البيان لسحرًا."
تم بحمد الله.
ثريا