المشاركة الأصلية كتبت بواسطة هشام عزاس
دقات على باب المستحيل
غاليتي أنتِ يا من رحلتِ مخلفةً وراءكِ الجمال متحسرا مقهورا على سحره المفقود , يا من جعلتِ من حياتي موقد ذكرى لا تنطفئ نارها أو تهدأ لتستقرَ على معنى الأمل , هذا الأخيرُ الملثم المجهول الذي يدقُ باب القلب فجأة ثم يرحلُ مخلفا حسرات تتلوها حسرات, نسيان آني يجرُ معه عزيمة المغامرة نحو القادم لينتهي مشنوقا على عتبات باب المستحيل .
غاليتي أنتِ و رغم ذلكَ جاهدتُ نفسي في أن أحيلَ نار ذكراكِ إلى رماد علّني أتخلصُ من قيد الجمود, و أنطلقَ في رحاب الحياة غير مكترث لصرخات صوتكِ المدفون بداخلي و صورتكِ المتقدة بين فكري و عيني , غير مبالِ بمثالية لا تنفع و نرجسية تحثني دوما نحو الهبوط , أصارعكِ كعدو لدود بحزم المقاتل و رغبة القاتل في أن يشربَ هنيئا من الدم المسفوك ,و لكنكِ دوما تجيدين التملص من قبضة الفكر و تظلينَ معلقة على جدار الحس الذي لا تنفعُ معه ضرباتي رغم قوتها و قسوتها .
غاليتي أنتِ و رغم ذلك لم أعاند أبدا طيف أمل قد يمر بخاطري أو لحظة تبصر يقيني بضرورة الانسلاخ عن ذاتي القابعة في مستنقع الذكريات الآسن.
آه لو تعلمين كم جلدتُني بأفكار الآخرين علّني أستفيق من غيبوبتي عن الوجود في حدود الزمن ,و كم كنتُ قاسيا جدا عليكِ و أنا أدلس و أدنسُ رؤاكِ في داخلي و أحاول بحيل الماكرين أن أحتالَ على ذاتي و أوهمها بجدوى الانتصار , و لكنكِ كنتِ و ما زلتِ داهية في حسّي متقدةً لا تخمدين .
و الذي يُعجزُني حقا يا غاليتي أنني سليم الفكر و أعي أن التقوقع في الذكرى يمنعني من الوصول إلى ملامسة وجه الأمل و أنهُ سيبقى مُلثما مجهولا لا يكشفُ عن هويته أبدا, و أنهُ لن يستقر عندَ بابي في يوم من الأيام.
أعرفُ ذلكَ حتما, و لكن ماذا أفعلُ في دقات لا تجيدُ العزف إلاّ على باب المستحيل, ماذا أفعلُ في راحة يدي التي لا تعكسُ غير صورتكِ النقية و ملامح وجهكِ الملائكي, ماذا أفعلُ في ذاتي التي لا تستفزها غير رؤى الماضي البعيد.
أدركُ أنني على خطأ,و أرفضُ بشدّة هذه المثالية الجوفاء,و أنتقمُ من رؤى الليل بالنوم حتى و إن ساعدتني الأقراص في ذلك , و أحاولُ أن أجتنب الربيع, و لكنني في الأخير لا أجدُني أقسو إلاّ على نفسي و أنكِ أنتِ هناك في مكانكِ الربيعي تزهرين و تزدادين تألقا عاما بعد عام .
فأيّ معركة أخوض و قد جنيتُ على فكري بحسي فما عادَ يليقُ به بعد اليوم أن يسدي النصائح أو يتباهى بزهر يزرعهُ على الدروب, و لكنها كل الدروب تُزهرُ يا غاليتي إلاّ دربي و كل البذور تنبتُ حبّا إلاّ بذري ينبتُ أشواكا و حسرة تدمي يدي و هي تدقُ بعنف على باب المستحيل .