كل نص من نصوصي يمارس معي شتى أنواع الانفعالات / العذابات, هناك نصوص سابقة كتبتها تفعل بي ما تفعله أفلام الرعب في الأطفال عندما ينامون وإن كان لها شأن و للنصوص التي لم أكتبها بعد شؤون ..حدث ولا خجل ..
النص قبل أن يخرج من رحم الذاكرة , يتودد إلي بإغراء لا يمكن لأي زاهد عن الحياة في معبد النسك أن يتردد إزائه ..فينساب نسغ الحبر المتخثر على الورق , يركع ظل القلم متهجدا ببسمة وومضة تومئ بأمر يجهل ماسكه فــ ترد الأحرف كما ترد صغار الجداء من أعلى التل في ثنايات الرواح..
و الأفكار في أتون المخاض تنفض من قوس قزح ألوانه السبعة والجمل تطفو في الفراغ الهائم بعقيدة الامتلاء كما تطفو الألواح على سطح البحر فــ أكاد أطوق خاصرتي بحزام الأفق طمعا في المزيد وكأي طمع يضيع ما جمع يرتد البصر في بياض لا له مساحات من اللا منتهى , قبل أن تمسك يدي بالقلم وفي لمح البصر يطير النص ليصلبني على حائط الإنتظار وأحفر في ذاكرتي مايضاهي حفريات علماء الآثار في التنقيب عن آثار حضارة لطمتها العهود السحيقة ببساط الرمل ..و بنظرة تتسلق أعمدة الظنون لا أثر للنص ..
ربما لأكون عبرة لمن لم يعتبر ويحلم بأن يقبض على البرق و يحاول أن يصنع من مياه تتراقص في ثغر النافورة خيزران يضفي هيبة على صاحبه , لا تصدمني معرفتي لحقيقة نفسي ومدى تعلقها في جمالية الأشياء قبل أن تعي مدى قدرتها التي مرجعها.. ضعف بلا ضعف وقوة بلا قوة لحالة بيولوجية بحتة تعود إلى قصة القلم الذي يذكرني دائما بأن أصابعي لا تضغط عليه بما فيه الكفاية وتتركه يطوف بين السطور كوعل بري أفلت بين الأنعام الأليفة التي تفر لو باغتها سرب الفراشات في مراعيها , وهذا أعادني إلى جارتي التي كلما أزورها اطرق بابها بيدي لأني أخاف أن أزعجها لو ضغطت على الجرس ..في البداية كانت دائما تظن بأن الطارق طفل صغير من أطفال الجيران ثم اعتادت على دقاتي التي تشبه ضرب غلاف الدفتر على ناصية الباب ولكنها تعزو الأمر على وهن أصابعي وإخلاصها لنصائح مدرستي التي كانت تفتش في الابتدائي أظافر البنات لتختم عملية التفتيش بشكرها ومدحها لمواظبتي على تقليم الأظافر ( في الحقيقة أظافري لم تفرحني يوما لأنها تتكسر بل تطوى كطي الورقة , تشبه أصابع طفل قلمتها الأم بعناية) وها الآن في كهولتي التي أشعر بأنها تزداد طفولة أحرص على تقليم اظافري رغم أن جارتي تصر على أن عظام أصابعي هي الأخرى رخوة فأقول لها كيف أصنع إذن عجينة الملوّح
يا شاطرة ؟
( فطيرة بلدي) تقول لي بتلك الرخويات البحرية ..
يا ويحي تذكرت الآن ..تصنف عند العفر الأظافر القوية التي لا تتكسر بالأظافر المذكرة و الرقيقة مؤنثة أعرف بأن أظافري مؤنثة ..
لهذا من حق القلم أن يجلدني بالنسيان , وان يهرِّب من ثقوب منقاره قبسات بوحي..
دون أن يربت أسفا على كتف جروحي ..
ولا يعيد الذي طوته السويعات الماضية وهي تسير على سجاد روحي..
يا الهي هل ضعف الأصابع يعني ضعف القلب؟
لا ..أبداَ..
لقلبي صفات أشجار الصحراء الحولية ذاتية الغرس /الرواء / التورق / التبرعم /الازدهار قوته في ضعفه وضعفه في قوته .
ففي لحظات الغضب يزمجر كأفعى باديسا التي تكسر الغابة غضبا وتجبر الأشجار على السجود قبل ان يركع الإنثناء , تشعل صوت الهلع في الأرجاء و تضرم حرائق الرهبة بين الأوراق والكائنات الحية الأخرى ..
إنها قيامة صغرى وكل الكائنات ترتل صلوات الصمت عندما تصارع جذوع الأشجار بذيلها الفتاك الذي ترسله في كل اتجاه بحثا عن جوهرتها التي تستضيء بها فبدونها تصبح عمياء , تلك الجوهرة المكونة من رغوة لعابها والذي يتجمد حالما يخرج من فمها ويصبح جوهرة براقة ..وهي على ضوئها تستكشف المنطقة لتقتات ..ولكن أولئك الباحثين عن تلك الجوهرة يتحرون بدقة وضع الأفعى باديسا , لمجرد أن تضع رغوة لعابها البراقة على الأرض يقذفوا روثا طريا على الجوهرة حتى تختفي من الأفعى وهكذا تسهل عملية السطو تنقض عليها أياديهم , ولكن الأفعى تستشعر بالوضع سريعا فـ تهاجم في عماها كل شيء مما حولها ..
عندما تفقد الأمل في العثور على جوهرتها ومصدر بصيرتها تمزق نفسها إربا إربا فتنتحر ..لأنها تفضل الموت على فقد كرامتها وفقد ما تحب ..هكذا قلبي حين يغضب وعندما يوضع في موقف إنساني مؤلم يصبح كـتلك الجوهرة التي تضيء المكان وتمثل قيمة حقيقية لمن يقتنيها , لكني مازلت أبحث عن السبب الذي ينزع النص من ذاكرتي وهو مازال برعما يبحث عن مساحة يتفتق منها في غفلة من قلمي الذي يتباهى بصلابة عوده أمام وهن أصابعي ولكن لا تنس أيها القلم بأن أصابعي هي التي تمسك بك .