|
عاشت تُفرِّقُ في السّنينِ أساها |
وتُديرُ من جفنِ الظلامِ رجاها |
وتُناشِدُ الأيّامَ تُرْسِلُ راحِما |
يقتادُ حُزْناً قد أطالَ عزاها |
واسْتلَّ عطفاً من نداوةِ غائبٍ |
شقَّ الفضيلةَ في الجفاءِ رماها |
فغدا يُجدِّفُ في الحياةِ صِراطُها |
ويشدُّ بعضاً من خيوطِ صِباها |
حتّى يُبِدِّلَ ماتُحسُّ من الّلظى |
ويُزيلُ حَرّاً في الفؤادِ قلاها |
فتراها تُقْسِمُ للصِّغارِ حنانها |
وتَصُبُّ فيهم من كؤسِ حلاها |
تلْهو وتتْلو للصّغارِ مشاعِراً |
وتبثُّ عِطْراً من نسيمِ هواها |
فأتيتُ أحملُ في العيونِ تساؤلاً |
ونصتُّ أسمعُ مايُنَغِّمُ فاها |
ووقفْتُ أرقبُ مايُحَيِّرُ فِكْرها |
حتّى تُلحِنَ للصِّغارِ حُداها |
أرْسَلْتُ عيْناً للبراءةِ تنظُرُ |
حُلْمَ الصِّغارِ وقد أفاضَ رِضاها |
وسألْتُها لمّا اسْتفاقَ فؤادُها |
فأتتْ تُعَثَّرُ في الرِّمالِ خُطاها |
عوفيتِ أُمّي هل أنِسْتِ بصبيتي |
فبكت كثيرا واسْتفاضَ شُكاها |
وتقولُ عفواً يابُنيَّ فلا تَلُم |
أُمّاً تناثرَ في القِفارِ جناها |
قد كُنتُ أُمّاً في ضيافةِ نِعْمةٍ |
حوْلي الحياةُ وقد ملكتُ لواها |
رحلوا جميعاً فاسْتقلَّ بي الأسى |
وبقيتُ أرشُفُ للحياةِ شقاها |
أناما طلبْتُ النَّفسَ تحْرِقُ حُلْمهم |
بل كُنتُ أعْصِرُ للبنين سُلاها |
وأمَرْتُ نفْسيَ أن تُقَيِّدَ حُلْمها |
تُلْقي السُّرورَ وتَخْتزِلْهُ وراها |
تُهْدي السّرورَ لمن أُحِبّ وليس لي |
فأنا كفانِيَ أن أذوقَ وفاها |
ووهَبْتُ صدْراً للصِّغارِ فبلّلوا |
منّي شِفاهاً في الحنانِ غِذاها |
حتّى اسْتقرّوا على الكفوفِ ورفْرفوا |
شدّوا الجناحَ ومكّنوْهُ فضاها |
ماهمَّهُمْ أُمّاً تفطَّرَ قَلْبُها |
نظرتْ إليهمْ من عميقِ حشاها |
عزفَ الجميعُ مع الغروبِ مواجِعي |
فرجعْتُ أحْمِلُ للسُّكونِ وناها |
وبقيتُ أنظُرُ للفِساحِ فلا أرى |
إلاَّ القساوةَ لاضيوفَ سِواها |
فأتت تُهَرْوِلُ بالخريفِ مشاعري |
فأملْتُ غُصْنِيَ في الدُّعاءِ شفاها |
ولثمْتُ مُرّاً من جهامةِ وِحْدتي |
فخرجْتُ أنْفُثُ للحياةِ نُكاها |
فإذا رأيْتُ صِغارَ غَيْريَ شاقني |
فَهُمُ المُحَرِّكُ في الْعروقِ سُقاها |
دعْني أُغادِرُ يابُنَيَّ فرِحْلتي |
صوْبَ الغيومِ سأسْتَقِلُّ نداها |
رحلت وعيْنُها تسْتفيضُ بِحُرْقةٍ |
فالْعِقُّ أسقطَ في الظَّلامِ سناها |
ذهبتْ وقلبيَ قدأثارَهُ بُعْدُها |
فرميْتُ نفسيَ في خطوطِ ثراها |
أُلْقي عليهِ من الفؤادِ تحيّةً |
وأبلّ كفّاً من دموعِ بُكاها |
مسكينةٌ تلكَ العجوزُ عرفتُها |
وهبت قلوبَ العالمينَ دواها |
خطفَ العقوقُ من الوجودِ حقوقها |
خارتْ سنيناً في الهمومِ قُواها |