|
غَنَّى الرَّبِيعُ فَكَانَ مِنْ نَجْوَاكِ |
فَتَنَ الوُجُودَ بِسِحْرِكِ الفَتَّـاكِ |
النَحْـلُ يَعْمَلُ وَالفَرَاشُ مُدَاعِبٌ |
يُسْقَى الرَّحِيْقَ الحُلْوَ مِنْ رَيَّاكِ |
وَالطَّيْرُ صَادِحَةٌ عَلَى أَفْنَانِهَـا |
غنَّتْ لَنَا مِنْ مُسْـتَهَلِّ غِنَـاكِ |
وَحَدَائِقُ الزَّهْرِ المُكَلَّلِ بِالنَّدى |
عَبَقَتْ بِهَمْسِكِ وَانْتَشَتْ بِشَذَاكِ |
وَجَدَاوِلُ الإِحْسَاسِ تَسْعَى بَينَهَا |
بِالشَّوْقِ تَحْمِلُ شَوْقَهَا لِرُبَاكِ |
قَدْ بُشَّ وَجْهُ الأرْضِ بَعْدَ عُبُوسِهِ |
فَكَسَى الحَيَاةَ بِسُـندُسٍ مَرْعَاكِ |
ثَمِلَ الوُجُودُ سَعَادَةً بِرَبِيعِهِ |
وَأَنَا انْتَبَهْتُ سَعَادَةً بِهَوَاكِ |
إِنَّ الرَّبِيعَ إِذَا تَنَفَّسَ عِطْرَهُ |
وَاخْتَالَ بِالزَّهْرِ الذِي حَاكَاكِ |
أَوْ غَرَّدَتْ شَـفَتَاهُ شَدْوًا هَامِسًا |
بِلِسَانِ طَيرٍ ضَـاحِكٍ مُتَبَـاكِ |
خَلَبَ العُقُولَ بِعَينِ مُلْهِمَةِ الرُّؤَى |
ثُمَّ انْثَنَى يَخْتَالُ فِي الأفْلاكِ |
ذَاكَ الرَّبِيعُ وَقَدْ تَمَلَّكَ بِالوَرَى |
فَمَنْ الذِي لا يُسْتَبَى بِسَنَاكِ |
أَنْتِ التِي عَبِقَ الرَّبِيعُ بِعِطْرِهَا |
لَولاكِ لَمْ يَعْبَقْ بِهِ لَوْلاكِ |
بِجَمَالِكِ الوَضَّاءِ قَدْ أَلْهَمْتِهِ |
مَعْنَى الجَمَالِ وَرَوْعَةَ الإِدْرَاكِ |
وَزَجَرْتِ خَائِنَةَ العُيُونِ فَأَقْبَلَتْ |
تُزْجِي الغَرَامَ بِعِفَّةِ النُّسَّاكِ |
عَيْنَاكِ أَبْهَى مَا رَأَيْتُ مِنَ السَّنَا |
فَكَأَنَّ آفَاقَ المَدَى عَيْنَاكِ |
عَيْنَاكِ! آهٍ مِنْكِ يَا لُغَةَ الهَوَى |
مَاذَا يَقُوْلُ الشِعْرُ فِي مَعْنَاكِ |
مَا عَادَ يَنْطِقُ بِالبَيَانِ مُعَبِّرًا |
ذَهِلَ البَيَانُ وَتَاهَ فِي نَجْوَاكِ |
سُبْحَان مَنْ فَطَرَ الوُجُودَ بِرَوْعَةٍ |
وَأَحَاطَ فِيْهِ الوَرْدَ بِالأَشْوَاكِ |
نَطَقَتْ بِهِ فِي كُلِّ حُسْنٍ آيَةٌ |
وَرَأَيْتُ حُسْنَكِ آيَةً وَبَهَاكِ |
خَلَقَ الأنَامَ الطِّيْنَ فِي أَجْسَادِهِمْ |
هَلْ مِنْ عَبِيْرِ المِسْكِ قَدْ سَوَّاكِ |
أَمْ مِنْ طُيُوفِ النُّورِ صَاغَكِ قُدْرَةً |
أَمْ عَنْ لَطِيفِ الفَجْرِ قَدْ جَلَّاكِ |
يُسْرَاكِ قَدْ مَلَكَتْ سُلافَ تَوَدُّدٍ |
وَمَكَارِمَ الأَخْلاقِ فِي يُمْنَاكِ |
أَعْيَتْ فَصَاحَتُكِ المَعَانِيَ كُلَّهَا |
حَتَّى لَقَدْ أَعْجَزْتِ بِاسْتِدْرَاكِ |
وَأَتَتْ إِلَيْكِ المُكْرَمَاتُ بِنَشْوَةٍ |
تَاْبَى عَلَى الحُسْنِ العُلا إِلاكِ |
وَمَشَيتُ يَوْمًا فِي الحَدَائِقِ حَالِمًا |
فَرِحًا بِطَيْـفٍ مِنْ خَيَالِكِ شَاكِ |
الطَّيْرُ يَصْدَحُ لِلحَيَاةِ وَلِلهَوَى |
وَالزَّهْرُ مُبْتَسِمٌ لقَلْبِي البَاكِي |
أَغْمَضْتُ عَيْنِيَ كَي أَرَاكِ وَأَنْتَشِي |
طَرِبًا وَأَسْعَدَ لَحْظَةً بِلِقَاكِ |
إِذْ قُلْتِ لِي إِنِّي أُحِبُّكَ يَا فَتَى |
وَأَوَدُّ صَيْدَ اللَيْثِ فِي أَشْرَاكِي |
وَأُحِسُّ مِنْـكَ بِلَوْعَةٍ لَمْ تُخْفِهَا |
عَيْنُ الحَيِيِّ وَلا الفُؤَادُ الذَّاكِي |
هَلْ يَا صَفِيَّ الرُّوحِ تُقْبِلُ بِالْهَوَى |
أَمْ هَلْ تُرَاكَ جَنَحْتَ عَنْ أَفْلاكِي |
يَا ظَبْيَةَ الأَحْلامِ يَا حَدَقَ الرُّؤَى |
غَلَبَ الغَرَامُ وَقَارَ قَلْبِ فَتَاكِ |
لا تَسْأَلِي كَيْفَ البِدَايَةُ أَوْ مَتَى |
لا تَسْـأَلِي مَنْ تَاهَ فِي دُنْيَـاكِ |
هِيَ خَفْقَةٌ المَلْهُوفِ أَنْهَكَهُ النَّوَى |
حَتَّى غَدَوْتُ كَمَا تَرَى عَيْنَاكِ |
وَسَهِرْتُ لَيْلِيَ بَيْنِ أَطْيَافِ المُنَى |
وَأَسَى النَّوَى وَالشَّوْقِ مَعْ ذِكْرَاكِ |
قَدْ كَانَ يَبْدُو المُسْتَحِيلُ فَأَنْطَوِي |
وَأَنَا أَرَى بُعْدَ السَّمَاءِ عُلاكِ |
وَخَشِيْتُ مِنْ أَلَمِ الصُدُوْدِ وَجَرْحِهِ |
إِنْ قُلْتِ لا فَأَكُونُ فِي قَتْلاكِ |
فَقَنِعْتُ أَنْ أَهْوَاكِ فِي صَمْتٍ ولَمْ |
يَعْلَمْ بِحُبِّي غَـيْرُ دَمْعِ نَواكِ |
وَطَوَيْتُ دُونَ القَلْبِ نَزْفَ مَشَاعِرِي |
وَجَعَلْتُ بَيْنَ جَوَانِحِي مَثْوَاكِ |
إِنْ كَانَ مَا شِئْتِ الهَوَى فَلْتَعْلَمِي |
أَنِّي أَكَادُ أُجَنُّ فِي دُنْيَاكِ |
مَا أَبْهَجَ الدُّنْيَا لَدِيْكِ وَقَدْ صَفَتْ |
وَأَلَذَّ مَا فِيهَا مَتَى أَرْضَاكِ |
يَا ظَبْيَتِي أَنْتِ الرَّبِيعُ لِمُهْجَتِي |
بَكَتِ الزُّهُورُ فَمَا الذِي أَبْكَاكِ |
اللَيْثُ جَاءَكِ وَالغَرَامُ قُيُودُهُ |
مَا فَازَ ظَبْيٌ بِاللُّيُوثِ سِـوَاكِ |