|
طللٌ وقد شـاقَ البلاغـةَ منظـرا |
مـا عـادَ وقفًـا للبكـاءِ معفّـرا |
حَجَبَت غيومُ الأمسِ شمسَ نهـارِهِ |
فَأنارَ ليلَ الصمـتِ أُنسًـا مُقمِـرا |
ووقفـتُ فـي جُنباتِـهِ مـتـرددًا |
فهـو الجديـدُ وإن عفـا متدثّـرا |
وقريحتـي بالكبريـاءِ تضوّعَـت |
فجرى القريضُ على لساني أحمـرا |
وكأننـي وعكـاظُ ينهـضُ سيـرةً |
بين القوافـي قـد أتيتـكَ مخبـرا |
وأرَدُّ كيـدَ المغرضيـن لحبرهـم |
فعكاظ عادَ إلـى الأصالـةِ منبـرا |
يا منبرَ البلغاءِ كنـتَ ولـم تـزلْ |
للضادِ صرحًا كم توهّـجَ مُسفـرا |
طاولتَ إذ هَرِمَ الزمانُ الأعصُـرا |
وسمقتَ في ساحِ البيانِ مشمّـرا ! |
أحقابُهُ خَطَـرَت وأنـتَ مُخلّـدٌ ! |
تمضي، وتأبى أن تعودَ القهقـرى! |
تتعاقبُ الأجيـالُ يُنسـي بعضهـا |
بعضًـا وتبقـى للخلـودِ مُـذكِـرا |
عاصرتَ أفذاذَ الرجـالِ فصاحـةً |
و مضوا وكنتَ بما شهدتَ معمِّـرا |
عفتِ المنابـرُ إذ خَبَـت أصواتهـا |
و بقِيتَ تأبـى أن يغيبَـك الثـرى |
أقفرتَ من شعـرِ الجهابـذِ موئـلًا |
وأتـى ليسقيـكَ الأميـرُ الكوثـرا |
وأفاض من معنى الخلـودِ عنايـةً |
ليعيـدَ مجـدكَ إذ أتـاكَ مظفّـرا |
يا خالـدَ الشعـرِ ارتقيـتَ مكانـةً |
تسمو وكنتَ بها الحقيـقَ الأجـدرا |
مَن يا أميرَ الفكـرِ يُحيـي معلمًـا |
لِتلوحَ حولَ شموخِهِ نارَ القِـرى ؟ |
مَن يا تُرى لـولاكَ ينفـثُ روحَـهُ |
لِيُحيلَ أنقاضَ المعانـي مرمـرا !؟ |
لولاكَ مَن يُحيـي عكـاظَ منـارةً |
مَن يا تُرى لولاكَ يُبلغُهُ الـذُرى؟! |
مَن يا ربيبَ ثقافةِ الرجلِ الرشـيـ |
ـدِِ سواك مَـن؟ مَـن يـا تُـرى !؟ |
ألبستَـهُ حُلـلَ الحـيـاةِ مـجـددًا |
و وهبتَهُ من صِرفِ حبـكَ مئـزرا |
ما لي أرى سحبانَ يدعـو باسمًـا |
قُسًّا ويهدي الأمنَ قلبَ الشنفـرى ! |
وأرى زهيـرًا قـد تهلـلَ مشرقًـا |
يدعو فحـول الشعـر أن تتذكـرا |
ويقـولُ هُبّـوا قـد بُعثنـا سـادةً |
وسقى الرُفاةَ اليومَ غيـثٌ أمطـرا |
لما رأيـتُ القـومَ أقبـلَ جمعُهـم |
ألفيتَ عنترةَ الخطـوبِ غضنفـرا |
يا دارَ ميّـةَ جـاء نابـغُ عصـرِهِ |
في كـلِ معنـىً للبلاغـةِ أُمِّـرا ! |
أبلِغ عبيـدًا أُنـسَ يـومٍ مشـرقٍ |
يُنسيهِ شؤمًا كم أضـلَّ المنـذرا !! |
أو قل لمن نـادى رِكـابَ هريـرةٍ |
قد عادَ أعشى قيسَ فينـا مبصـرا |
هل آذنت أسمـاءُ بالهجـرانِ ؟ أم |
أقفرتَ يـا ملحـوبُ ممـا قُـدِّرا |
هل لاحَ لابنِ العبـدِ وشـمُ مماتِـهِ |
في كفِ مِن باعَ المبادئَ واشتـرى |
قل لابنِ كلثوم اصطبـح بقصيـدةٍ |
نَفَحَت و كانت بالبيـانِ الأعطـرا |
قد عادَ سوقُ الشعرِ يطلـق خيلـه |
شَمَخَ القريضُ بِساحِـهِ وَ تجمهـرا |
وسما بروضِ الشعرِ نخـلٌ باسـقٌ |
إذ فـاضَ نهـرُ بيانِـهِ متفـجّـرا |
حييتهـم إسمًـا وشـعـرًا إنّـمـا |
إن غادرَ الشعراءُ جئتـكَ أشعـرا |
أقبلتُ من أصـلِ العراقـةِ رافعًـا |
صوت الـولاءِ مغـرّدًا ومزمجـرا |
و وقفتُ في بُردِ الفصاحةِ ناضحًـا |
نبعَ القريضِ الصِرفِ أُغدِقُ بيـدرا |
ونسجتُ من نبضِ الفـؤادِ قصيـدةً |
من منجمِ اللغةِ الأصيلـةِ جوهـرا |
وصدحتُ أنطقُ شاعـرًا متأصِّـلًا |
سابقتُهـم فخـرًا وإن متـأخِـرا ! |
أنا شاعرُ الأفـلاكِ أسمـعَ دهـرَهُ |
خاضَ العبابَ وجاءَ ما ملَّ السُـرى |
قد أينعَ الطلـعُ النضيـدُ نضـارةً |
هـلاّ نظرتـم طلعَـهُ إذ أثـمـرا |
سَترونَ مُـزنَ الشعـرِ ينثـرُ دُرَّهُ |
بلسانِ من صلّـى وحـجَ وكبّـرا |
أدعـو أشقـاءَ العروبـةِ واثـقًـا |
متهـلِّـلًا متـأمِّـلًا مستـبـشـرا |
هُبّوا لـرأبِ الصـدعِ ننبـذُ فُرقـةً |
فالغصنُ إن سأمَ الجـذوعَ تكسـرا |
كونوا كمـا شـاءَ المهيمـنُ أُمّـةً |
بالدينِ في عُمْرِ الزمـانِ الأخيَـرا |
كالنحلِ جابَ الروضَ يلثمُ زهـرَهُ |
يغـدو ويجمعُـهُ الرحيـقُ مُبكِّـرا |
كونـوا عبـادَ اللهِ إخوانًـا علـى |
تلكَ المحجَّـةِ لا ادّعـاءٍ مُفتـرى |
عُضّوا عليها بالنواجـذِ و الزمـوا |
بالدينِ نهجِ محمـدٍ خيـرِ الـورى |
و توشّحـوا بالنـورِ مـن أكمامِـهِ |
من مشرقِ الإسلامِ مـن أُمِ القُـرى |
أكـرم بشعـرٍ لا يثيـرُ عــداوةً |
يُحيي الإخاءَ ، يوثقُ التقوى عُـرى |
في ظـلِ أربـابِ العدالـةِ منهجًـا |
آلِ السعودِ الصِيـدِ آسـادِ الشَـرى |
يا خادمَ الحرميـنِ تلـكَ قصائـدي |
تُهديكَ من غرسِ الفـؤادِ المثمـرا |
يـا قائـدًا جمـعَ القلـوبَ بُحبِـهِ |
تلكَ النفوسُ تضوعت لـك عنبـرا |
صقرَ العروبةِ جئـتُ أرفـعُ رايـةً |
لك من صميمِ الـوِدِّ حبًّـا مُزهـرا |
أنجزتَ يا تـاجَ الملـوكِ مطامحًـا |
وفتحتَ أبـوابَ الحِـوارِ تحضُّـرا |
وحفظتَ للعـربِ الكـرامِ مآثـرًا |
لم تنخفض هامًا ، أبَت أن تُزدرى ! |
ودعوتَهـم لِبنـاءِ مـجـدٍ تـالـدٍ |
تُسدي الكبيرَ و تستحثُ الأصغـرا |
ووقفتَ للخطـبِ الجليـلِ تسوسُـهُ |
بزمـامِ فِكـرٍ كـم أنـارَ وأسفـرا |
بسفينـةِ الإنجـازِ قُـدتَ مسيـرةً |
ومضيتَ رُبّـانَ السياسـةِ مُبحـرا |
ستظلُ يـا وطنـي بمنهـجِ قـادةٍ |
بالهديِ والديـنِ القويـمِ الأطهـرا! |