عمل المرأة : والمقصود به خروج المرأة لميدان العمل خارج نطاق منزلها سواء متزوجة أم غير متزوجة.
وعمل المرأة الذي يدور الجدل حوله هو الذي جاء من باب ما يسمى حرية المرأة وهي صرخات أو نداءات انطلقت في بداية القرن المنصرم وكان من ورادها علمانيين عرب, من أمثال قاسم أمين وأحمد لطفي السيد بعد مرحلة ما يسمى دخول العلمانية للمجتمعات العربية.
عمل المرأة حق شرعي لها مع الأخذ بعين الاعتبار عن ماهية هذا العمل فالقوانين العربية والقانون الأردني مثلا نص على انه يحق للمرأة العمل بكافة الأعمال التي توافق طبيعتها, فمثلا لا يجوز عمل المرأة في المحاجر والكسارات وأعمال البناء والمناجم والمناطق التي يمكن فيها أن تتعرض لإشعاعات كالإشعاعات النووية أو فوق الحمراء التي من الممكن أن تؤثر على الأجنة عندها مما يؤدي لإجهازها أو تشوه الجنين.
بالنسبة لمبدأ عمل المرأة يجب مراعاة طبيعة المجتمع الذي هي من ضمنه ليس تشددا ولكن من صالح المرأة بالطبع حيث أنه في بعض المجتمعات يرفض البعض بالزواج من المرأة الموظفة باعتبارها خرجت عن الطور والعادة ولذلك يمكن ملاحظة ازدياد نسبة العوانس بين صفوف النساء العاملات اكثر مما هو بين النساء اللواتي يقعدن بالبيت بعد انتهاء مرحلة الدراسة الثانوية هذا إن سمح لها بالدراسة في المجتمعات النامية, ويعود ذلك لتركيبة العقلية التي تنشأ نشأة بداية في الدول النامية.
عمل المرأة حق لها حتى في الدين حيث سمح لها الإسلام مثلا والذي يرجع معظم عاداتنا وتقاليدنا العربية إليه بخروج المرأة للمعركة للقيام بعمل تمريضي وقد تعدت بعض النساء في المجتمع الإسلامي الأول العمل التمريضي إلى خروج عسكري من أمثال المرأة العربية المعروفة بالخنساء, و وكذلك التعليم والتدريس, ويقال أنه كانت للسيدة عائشة زوج الرسول مجلس علمي وكذلك نساء أخريات في الإسلام, وغير ذلك من المجالات والميادين. ومع التطور كان المفروض تطوير المساحة التي يجب فتح المجال فيها للمرأة بالعمل فلم أرى سوى القليل من علماء الدين الإسلامي المحدثين ممن أجاز خروج المرأة لميادين أخرى غير التمريض والتعليم ولا اعرف سبب وجهة نظرهم الحقيقية هذه هل هي من باب انتقاص من شخص المرأة باعتبارها ناقصة عقل ودين أم من باب أن فكرة خروجها يوصل لما يسمونه الرذيلة ضاربين بعرض الحائط أن الرذيلة لا يكفي لحصولها هو مجرد خروج المرأة من البيت وإنما يعود في أسبابه أن كثرة الضغط تولد الانفجار أولا وثانيا أن التنشئة السليمة في جو أخلاقي لا يمكن أن ينتج إنسان ساقطة أو يؤدي بها لطريق غير صحيح.
إن المرأة الأوربية قبل الثورة الفرنسية والثورة الصناعية لم يكن حالها بأفضل حال من المرأة العربية في بعض المجتمعات النامية حين كانت أوروبا تعيش فترة الظلام في ظل سيطرة الكنيسة على أوروبا والعالم الغربي ولعل البعض منا قد سمع بصكوك العفة التي كانت توضع للمرأة المتزوجة لمنعها من الزنا وغيره, إلا أن الثورة الفرنسية وبدء مرحلة العلمنة أو فصل الدين عن الدولة بالإضافة إلى الثورة الفرنسية والحرب العالمية جعلت المجتمعات الغربية في مأزق كبير جدا من هذه الناحية وجعلت المجتمعات الأوروبية تقر مكرها بمبدأ حرية المرأة وأخذ حقوقها.
فالحرب العالمية خلفت ورائها الملايين من القتلى الذين كان معظمهم من الرجال الذين هم ركيزة الجيوش التي حاربت في الحروب العالمية مما خلف الملايين من الأرامل والعائلات التي بلا معيل فأضطرت المرأة للخروج إلى ميدان العمل في المصنع وغيره لتحصل قوت عيالها, هذا بالإضافة إلى تغير المفاهيم الاجتماعية والدعوة المفرطة للتحرر في أوروبا بعد فترة قاسية عاشتها جراء تسلط الكنيسة واستبدادها في فرض الرأي الديني وصل إلى حد إعدام العلماء لمجرد رأي مخالف للكنيسة كما حصل حين أعدمت الكنيسة العالم غاليلو لإثباته نظرية دوران الأرض.
المرأة في المجتمع الحديث هي نصف المجتمع وقد أثبتت نفسها بقدرتها على العمل في كل المجالات فبدأً من رئيسة الدولة كما في الفلبين وباكستان سابقا مرورا برئيسة للوزراء إلى وزيرة إلى عاملة في الطاقة الذرية كما في ناسا وكما في العراق أيضا, وصولا إلى عاملة المصنع والمعلمة والممرضة والطبيبة والمهندسة المعمارية وغيره, ولم يعد هنالك مجال لم تدخله المرأة حتى في الجيوش الكبرى كما في جيش الجيش الأمريكي الذي يعتمد بشكل كبير على المجندات في صفوفه. حتى أنه في المجتمعات النامية أو المحافظة وجد المجتمع الرجالي نفسه في مأزق كبير, فالرجل الذي يرفض خروج المرأة لميدان العمل يجد نفسه أمام مأزق خروج زوجته أو إبنته لشراء ملابسها التي تضطر المرأة في هذه المجتمعات إلى التعامل مع رجال في محلات البيع, وكذلك في ميدان المعاملات الأخرى كالمعاملات الشخصية في دوائر الأحوال المدنية الحكومية ولا يكون البديل الحقيقي إلى بخروج الأنثى للعمل في التجارة والدوائر الحكومية لتحقيق نوع من التوازن للحفاظ على شكلية المجتمع المحافظ.
إن عمل المرأة يختلف في جوهره عن إعطاء الحرية الكاملة, وهنالك نظرة خاطئة بأن إعطاء المرأة الحرية هو السبب في شذوذها وانتشار الدعارة, فليست المرأة الوحيدة التي تستطيع أن تنشر الرذيلة والانحلال الخلقي, فلا بد من توفر الشريك الأساسي وهو الرجل حتى يتحقق الانحلال الخلقي في المجتمع, وعمل المرأة وحريتها الكاملة يختلفان نوعاً ما عن بعضهما فليست الدعارة ولا الموضة الحديثة هي من باب حرية المرأة ولكنها من باب إهانة المرأة والتجارة فيها كما تفعل المجتمعات الرأسمالية الغربية من استغلال جسد الأنثى كمرتكز أساسي في الدعاية التجارية, فالحرية لا تعني الإهانة ومن يتصور أن حرية المرأة هي إطلاق عنان الدعارة فيكون مخطئ تمام الخطأ لأنني أرى أن الدعارة سواء بشكلها العادي أو بالشكل الحديث الذي يتمثل بالفضائيات واستعراض الأجساد ليس إلا تجارة بالرقيق تدعى الرقيق الأبيض.
لم يعد هنالك مجال للقول بأن عمل المرأة لا يزال في طور البحث فإن الواقع يثبت نفسه, والمرأة حول العالم كله استطاعت أن تثبت نفسها وعلينا أن نؤمن بهذا الشيء, وأن لا نبقى ضمن إطار هل نسمح لها بالعمل أم لا, فقد سمحت المرأة لنفسها بالعمل وقد عملت بالفعل ومن لا يزال يبحث في هذا الموضوع فأعتقد أنه لا يزال في طور عقلية القرون الوسطى وبحاجة لعمل تحديث لمجتمعه وعقليته