مازلت أعتقد بأن النصوص كائنات حية تبادلنا العطاء و تأخذ منا قدرا من الوقت والجهد فنأخذ منها ما يدل علينا حين نكتبها , وما يدل على الآخر حين نقرأها , وتنجر من خشب الانغلاق بابا لـ اعتراف الآخرين بنا وإن كانوا على غير وفاق معنا ,, كما نأخذ منها عنوة ورضا ترجمة همومنا وطموحنا سواء أكان ذلك على أرض الواقع أم ضمن دروب تسلك بنا إلى أكمة مجهولة ..
نستمتع عندما نبقى معلقين باختيارنا على حبل الانتظار لزمن قادم يخبئ في جيوبه حلوى بطعم الدهشة وليس شرطا أن تكون الدهشة بنكهة السعادة . مع إن مفهوم السعادة يختلف من وقت لآخر تبعا لاختلاف حاجتنا أو تبعا لاختلاف نظرتنا للأمور . لأن الذي يسعدني في هذه اللحظة قد يلقي علي بظلال التعاسة في وقت ما ,, عدا الثابت منها فيما يتعلق بالضمير والثوابت الدينية والواجبات الاجتماعية والأسرية فهي لا تخضع لمناخات الأمزجة .. العطر الذي قد لا يروق لي اليوم , لو شممته في يوم آخر ربما سيرفعني عن مستوى الأرض وسيجلسني على أريكة مزن لا تهطل إلا باشارة من رفة رمشي ..
ذلك مرده بأن الإنسان لا يعرف كيف يحدد مصيره و انه يضيع في تشعبات الدروب حين يعتنق السير ونحن نسير حتى في لجوج النوم .
النصوص لولا أنها حروف لمنحتها المواطنة وألغيت عنها وصايا الكاتب وكذلك تذمر وامتعاض القارئ أو توسع شدقيه عندما يلتقي بريق المغزى المقروء ببريق ما وراء البسمة من رماد الشخصية المسقط عليها هواجس الصورة أوالمتساقط عليه غبار الوصف ..
إلا ان التعامل مع هذا القرار لدى الدول سيعتمد على اشكالية المساحة وتعداد السكان ..
1_ الدول ذات التعداد السكاني القليل التي ستستقبل هذا الأمر بكل سرور , من اجل تحسين الوضع العسكري ورفع مستوى المعيشة بتوفير العمالة وقتل البطالة والقضاء على الفقر مع الأخذ بالاعتبار بأن النصوص ثرية بـ ..بـ ..بـ
2_ الدول ذات التعداد السكاني الكثيف ستتبرأ مني وان تماديت في هذا الطرح ستصدر ضدي الحكم بالإعدام شنقا أمام الملأ مما سيعيد لذاكرة الشعوب حيثيات الحكم أيام الدول الشيوعية والتي استطاعت أن تنظم جدول المواطنة من خلال الإعدامات وترويض الاقتصاد بالاستغناء عن الحاجة والتقشف حد الترف من خلال التنسيق بين السجون وجمعيات العمال التي كانت تزهد بكل شيء عدا شعاراتها الفكرية وكم شهدائها قتل برصاصات الجوع ..
إذاً إعطاء مواطنة للنصوص تعني القضاء على رتيبة الحياة التي تهيأت لتغطي بالكاد احتياجات الشعب و الذي يستميت في تفاصيل اللحاق بموجة البحث عن الخبز وان سبقه إلى السجن الأكبر.
ولأني سأطلب بحقوق المواطنة للنصوص أمام المحكمة المدنية وليس لي علاقة بالحاكم السياسية إما الخلع أو أن تكون حياتها عرضة لأكل الطير ..لا ادري لماذا اشعر بأن الحياة في زمن الفوضى تعني بأننا معرضون لنصبح لقمة في منقار الطير؟
ما أطيب الطير .أعزو خوفي من الطير بفوبيا الطيران ..الإنسان عشق الطيران ومع هذا يهاب ذوي الأجنحة وان كانت طائرة من صنع يديه.
نعود للنصوص
وعلى ضوئها نتبادل الآراء ونرمي انطباعاتنا في سلال الذاكرة كثمار الموسم ,, مرة نضعها على مائدة الوقت ومرة ندخرها في حرز أمين تحسبا لزمن لا يحمد أتيانه ..ثم نعود لنفتش عنها إما لـ نضفي عليها جديدنا أم لنشتق من نسيجها قطعة كي نرقع بها فكرة ما ..
وعلى ضوئها نعرض الآخر لضوء الشمس حتى وان كان خفاشي الطبع أو ظلامي التطبع , وعلى مصباحها نستكشف دواخلنا ونبدأ بالتطهر من أدران الحقد ونرنو إلى شواطئنا التي لم يلامس نسيم بحرها غرة الشفافية قبل ذلك ..
هناك من يحاول ان يصل الينا عبر جسورها الممدودة في ذهنه وهناك من يحاول ان يصل إليها عبر اليقين الموصول من نافذة أصعب ما فيها احتراق التفاصيل قبل ان تطل منها .
أحيانا ننظر إليها كحصاة تتوسد الكف فيعجبنا أن نقذفها في بحيرة العقل حتى تحدث فجوة غائرة في نسيج ماء عقل آخر تم اختراقه من قبل نبرتنا المغايرة لصوته فتتفرق الأمواج المستديمة الراكدة رغم الحركة في ذهنه زمنا طويلا استطاع باقدميته أن يكوّن طبقة سميكة من تراكمات القناعة على بابه .
نعود ثانية لنلبس ثوبنا القديم ولا مناص من أن يبدو أضيق مما كان عليه في السابق
مهما ندعي بأنه أصبح فضفاضا لنكسب انتصارا صغيرا لا يقوى على تحريك عقرب ساعة الحائط أو تشتيت منظومتها الدورانية في آلية حركتها البديهية , لدينا موهبة جمعها وطرحها وتقسيمها حسب أجنداتنا وحين نريد ضربها بعرض الحائط إذا تأخرنا عن موعدنا ,, لا يمكن لنا أن نرمم بها إعادة الزمن المنهار ومع كثير من الجهد نحاول أن نستعد للزمن المقبل و العمر قاب قوسين أو أدنى من الانزلاق رغما عن هندسة التخطيط وقولبة الصعوبة بترويض التبسيط .. ومازلت أطالب بمواطنة النصوص ولما تضيق بنا الأماكن فـ الأرض تتسع للجميع .