حكاية كنت قد قرأتها منذ عدة سنوات وظلت عالقة بذاكرتي ، وهي من الحكايات التي تخاطب الفكر وملكة التفكير عند المرء..
واليوم طلعت أمامي فجأة ، ففرحت بها وعلى الفور شرعت بترجمتها عن التركية ...
لاتتعجلوا اتخاذ القرار !
في إحدى القرى كان هناك عجوز كبير. وكان فقيرا جدا لكنْ كان الملك يحسده ...لأنه كان يملك فرسا أبيضا لامثيل له ، فكانت سيرة هذا الفرس على كل لسان أهل القرية .
فمن شدة إعجاب الملك بهذا الفرس عرض على العجوز كل ثروته تقريبا لشرائه منه ، لكن العجوز ماكان ليقبل أن يبيعه ، وكان يقول دوما : هذا الفرس ليس كباقي الخيل ... هذا صديق العمر ، وهل يبيع أحد صديقه !
قام أهالي القرية في أحد الأيام صباحا ، ونظروا فلم يجدوا الفرس .اجتمعوا عند العجوز ، وبدأوا يوبخونه ، يالك من عجوز خرف ! كان يجب عليك أن تعلم أنهم لن يتركوا لك فرسك ، فكان واضحا أنهم سيستولون عليه .لو أنك بعته للملك ، كنت الآن صاحب ثروة ، وكنت ستعيش عيشة الأسياد .أما الآن فلا نقود عندك ،ولا الفرس ...قال العجوز : "لاتتعجلوا بقراركم ".قولوا فُقد الفرس فقط" ."لأنها هذه هي الحقيقة . أما ماوراء ذلك ماهي إلا رؤيتكم وقرار اتخذتموه أنتم. ففقْد فرسي هل هو خير أريد لي أم شر فلا نعرف ، سننتظر .لأن هذه الحادثة مجرد بداية . وماذا سيحدث بعدها فلا أحد يعلم ذلك.بدأ أهل القرية يضحكون لكلام هذا العجوز الخرف ويسخرون منه . لم يمض على هذه الحادثة 15 يوما ، إلا والفرس رجع في إحدى الليالي ...فما سُرق وإنما ذهب إلى الجبال وهو في طريق عودته أحضر معه 12 فرسا بريا لحقوا به من الوادي.
لما رأى أهالي القرية ذلك ، جاءوا إليه يعتذرون،وقالوا له أنت " كبيرنا " "أنت كنت المحق.فالفرس لم تفقده ،وإنما جلب لك ثروة كبيرة.فالآن أصبحت تملك قطيعا من الخيل.."
"إنكم تتعجلون بقراركم ثانية" قال لهم العجوز .
قولوا فقط رجع الفرس.لأن هذه هي الحقيقة الآن ، وبعدها لانعلم ماذا سيحدث . ماهي إلا بداية ..فكيف لكم أن تحكموا على الكتاب من أول حرف تقرؤنه فيه. هذه المرة لم يستهزئ أهالي القرية بالعجوز ، ولكن كان يقولون في أنفسهم أنه مغفل...
ولم يمض أسبوع حتى وقع ابنه الوحيد من على أحد الخيل عندما كان يروضه، فكسر رجله .وصار ابنه طريح الفراش وهو الذي كان يقوم على احتياجات البيت
اجتمع أهالي القرية عنده ثانية وقالوا : "وهذه المرة كان الحق معك"فبسبب هذه الخيل ،فإن ابنك الوحيد لن يستطيع المشي فترة طويلة .ولن يعينك خلال هذه الفترة ، وستتحمل أعباء الحياة لوحدك . ومن المؤكد أنك ستصبح أشد فقرا وأشد بؤسا من ذي قبل".
"يبدو أنه أصابكم مرض القرار العاجل" رد عليهم العجوز.
فلا تتعجلوا ـ فولدي كسرت رجله فقط ، وهذه هي الحقيقة ،وماوراء ذلك فإنه قراركم أنتم.لكن ماأغرب العمر ، يمر على شكل مراحل متتابعة وقصيرة ، ولاأحد يستطيع أن يخبركم ماذا سيحدث بعدها .
وبعد عدة أسابيع ، جمع العدو جيشا كبير العدة والعدد وهاجم البلد. فاضطر الملك أن يستعين بكل شباب ذلك البلد ، فجاء الجنود وجمعوا كل شباب القرية عدا ابن العجوز ، المكسورة رجله.
حزن جميع أهل القرية على أولادهم ، لأنهم كانوا متأكدين أن هذه المعركة لن يربحوها ، وذلك لقوة وكثرة جنود العدو. وكانوا يعلمون أيضا أن كل من ذهب للحرب سيقتل أو سيتم أسره.
جاء أهالي القرية مرة ثانية لعند العجوز...
"مرة أخرى أُثبتَ أنك أنت على حق"
قالوا له."صحيح أن ابنك رجله مكسورة ، لكنه بجانبك على الأقل .أما أبناؤنا فالاحتمال الكبير أنهم لن يعودوا إلينا .
وبذلك كان كسر رجل ابنك خير لك وليس شرا ..."
"أنتم استمروا بقرارتكم المتعجلة " قال لهم العجوز.
وماذا سيحصل بعد ذلك فلا أحد يدري .الحقيقة الوحيدة الآن ، أن ابني بقربي ، وأنتم أبناءكم في الجيش .
فأي ذلك خير ، وأي ذلك شر فالله وحده من يعلم ذلك .
"لاو تزو ، أنهى حكايته بهذه النصيحة : "لاتتعجلوا قرارتكم ، ولا تنظروا للحياة في مرحلة قصيرة وتحكموا عليها كلها .
فالقرار هو حالة انتهاء العقل . فبمجرد أعطيتم قراركم ، عندها يقف التفكير ومن ثم التطور .ورغم ذلك فالعقل دوما يجبر المرء على إعطاء القرار . لأنه في هذه الحالة يكون الوضع صعبا وخطيرا ، ويسبب المتاعب للإنسان ، فيريد أن يستعجل الأمور ظنا منه أنه يستريح . لكن الرحلة مستمرة لاتنتهي . ينتهي طريق ويبدأ آخر .يغلق باب ويفتح آخر .تصلون إلى هدف ما وفورا ستلاحظون أن ثمة هدف أكبر وأسمى ." .
16/11/2009