لم تكن الأرض بتاتا من نتاج الإنسان لأنها خلقت قبله لــ تتهيأ وفقا لمتطلباته في السكن والتنقل وإقامةالبنيان وما إلى الخ..
أماالفكرة هي من نتاج الإنسان هو الذي يجتهد في توليدها وهو الذي يلمع جبينها ولم تكن الفكرة يوما حالة قائمة بحد ذاتها بمنأى عن الإنسان.
في دواخل كلا منا ثورة تتأجج , فتتمدد وتحرق المساحات التي تمر بها لتصل إلى خارجها وتدخل في وعي الآخر لتزرع في كل محطة موقفا تتبناه , وتسيطر عليه عن بعد وعن قرب , يتأثر بهاالمحيط القريب والبعيد وتنساق إلى مفاهيمها بعض التجارب , التي لم تجد في بيئتها موطئ قدم , فتجتمع حولها عقول متباينة في معايير استيعابها , ولكنها تؤمن بمدى أهميتهاوتعتقد عن يقين أزلي بأنها الخلاص الوحيد لاستنشاق الإنسان , الهواء الحر الطليق بعيدا عن أجواء الخنوع الملوثة , فالثورة لا تبقى على حالة واحدة فهي تتجمد أحياناوتسمح أن تتلاعب في الساحة الأفكار النقيضة لـ فكرها ..
في جميع الأحوال تحيا مترسبة في الأعماق سواء تحجمت في أماكنها أم تقلصت لفقدانها السيطرة على عناصرها , ومتى ما سنحت لها فرصة الظهور من جديد تبدأ ولكن بأدوات جديدة , وربما يحدث هذا صدمة للبعض لأن قناعتهم بالفكرة لا تقبل الشق والرتق أو ترجيح الوسيلة لبلوغ الغاية وربما كان هذا سببا لميول البعض للانقسام ورغبةالبعض للالتفاف حول الانعزال ليحدثوا فجوة كبيرة بينهم وبين الجماهير مما يؤدي إلى موت الفكرة والإلحاد بالرموز .
يقولون أن الثورة تأكل أبنائها ..
نعم فالثورة تأكل أبنائها من الأكتاف حيث لا يتساوى حجم الضحية مع حجم القدرات وتلك معجزة يحسب لها ولكن أن تتنصل الثورة عن مبادئها وتدوس على الفكرة التي أرسخت قواعدها في ذات العقول التي ساعدت على تكوينها بعد أن آمن من آمن بها وعول عليها الكثير من الآمال وحفظ أعرافها بدفن أسرارها في أعماقه , ثم تأتي لتحدث شرخا في الجسر الممتد بينها وبين الشعب الذي وهبها دموع الثكالى ودماء الشباب وأرواح لم ترتو من الحياة سوى من ينابيع أهدافها وحفظ أناشيدها , تلك الأناشيد التي مازالت ترن وترن في أعماقي ومازالت تسمو لتعانق سكناتي وحركاتي , فأبقى رهن هذا الصدى الذي يطوق حواسي لأكفر بالحياة وأومن بالموت في سبيل الفكرة , متناسية تلك الأخطاء التي ارتكبوها ليس فيحق الوطن فقط بل في حق الفكرة ذاتها ..
الفكرة التي هيمنت على الألباب ومنحها الجميع كل غالٍ ونفيس .. الفكرة التي جعلت من بعض رموزها وطنا وقد لا نتنكرلبعض الرموز التي صنعت الفكرة ليس فقط بموهبتها ولا بذكائها ولا بحسن قيادتها إنماعندما تركت للفكرة أن تبني صروحا من الإيمان في حياتها النضالية ويصبح النضال لدى الجميع رغيف الروح الذي استصغر عندها الجوعى حجم الخبز اليومي وزهد من آمن بها باحتياجات الحياة العادية , لأن الحرية مطلب ضروري كالماء والهواء ومن يعي معنى الحرية سوى من تشرب من ماء الثورة وأنصت إلى صياغة الجملة التي يطلقها أحد كوادرها حيث تتفوق على دوي قنابل الطائرات التي تغسل بشظاياها الأخضر واليابس .
في كل الحالات العالمية أو التجارب الفردية من الطبيعي أن يعتنق البعض الفكرة ويبقيها رمزا غير قابل للحل والتحلل فيأتي موت الفكرة من قلب الثورة بأياد ترتدي قفازات الغموض و تعمل في الخفاء , تغسل آثار الانجازات وتمتص دماء الرموز , لتبقى الساحة يتيمة والميدان الذي شهد الكثير من الإمكانيات العالية يتراجع حتى يصل بالفكرة وبالرمز إلى قاع لمصافحة أهداف العدو..
ولا ننس بأن الفكرة هي الأخرى تتعرض للسطو عندما تتجرد من التنوير وتتصيد حسن النوايا وهنا تبقى الثورة والفكرة والرمز منظومة ناجعة عندما تصل إلى محطتها ويستحيل اختراق جدرانها ..
قد يتأخر النجاح الملموس فليس مقياس النجاح هنا أن تتحقق بعض أهدافها الوقتية التي لا تحم طرحها القادم ولا مشروعية بدئها المقبل ..
إنما الأهم قدرتها على أن تبقى بنفس توهجها لدى من آمن بها .
وهناك أمثلة كثيرة خلدت الرموز لأن الفكرة بدون الرموز الحقيقية تغدو مجرد سلعة تخدم اللحظة لتنطفئ قبل أن تصل إلى رصيف عهدها , بيد أن خلاصة التجارب أثبتت بأن الثورة تعيد إنتاجها في حقول الزمن الآتي , وهناك الكثير من المتابعين والباحثين الذي انقسموا على مبدأين أحدهم يؤكد بأن قوة الثورة ترتكز على قوة الرموز,, والآخر يؤكد بأن قوة الثورة من قوة الفكرة , ولكن مازال الأمر خاضعا للنظرية النسبية , لأن النجاح يعتمد على كل المحاور دون ان ننتصر لجانب واحدحيث أن العملية عملية توطيد العرى بين كل الأطراف المهيمنة على أدوات نهوض الثورةواستقطابها لآلية المحفزات من طاقات بشرية /ذهنية /تقنية وطاقات مادية ,يد الفكرةوحدها لا تصفق.
لن نحمّل الفكرة ذنب المفكر ولن نقلل من شأن الرمز عندما يشعل روحه وحيدا كشمعة أطفأتها الريح المباغتة في غياب الحواجز .
ولا ننس أن الرمز هو الذي أوصلنا الى الفكرة ومتى ما كانالرمز منطقيا في نقلها كانت الفكرة منطقية .
سيبقى الذي احتفظ برصاصة الثورة في جيوب وعيه هوالابن البار لها .