كلمة باختصار .. لعلنا ..
إن المسلم حين يستقبل بداية عام هجري جديد ، تعود به الأفكار إلى ذلك الحدث العظيم الذي كان بداية دولة و انطلاقة مؤمنة عمت الكون بنورها ، و ما كان لنا أن نحتفظ بذلك الحدث مجرد أحداث لا تؤثر بحياتنا كما أثرت بشبه جزيرة العربية ذلك التأثير العظيم منذ ألف و أربعمئة و خمس و عشرين عاما ؛ فما كان المهاجر رجلا عاديا هو من لا ينطق عن الهوى .. المعصوم عن الخطأ و الموحى إليه ، و مثله من تتبع خطاه و تستشف العبر من حياته لعلها تكون لنا درب نجاة و فلاح .
و نبدأ منذ البداية .. إذ بدأ الرسول صلى الله عليه و سلم استعداده قبل الهجرة بفترة تكفي لإحكام الأمر و الاستعداد لأي طارئ ، فاختار الصاحب و أعد الراحلتين و اختار دليلا أمينا . و لا ريب أن هذا يعني أن على المرء أن يأخذ بالأسباب و يستعد لكل أمر عظيم يقبل عليه ، ثم يتوكل على الله . أيضا .. نرى الرسول صلى الله عليه و سلم فارق موطنه و ضحى بالكثير في سبيل عقيدته و هذا أكبر دليل على تقدم العقيدة على ما عداها فلا قيمة لوطن أو مال إذا كانت العقيدة مهددة .
ثم اختياره صلى الله عليه و سلم لأبي بكر صاحبا . و في هذا أكبر دلالة على علو منزلة أبي بكر رضي الله عنه و عظم محبة الرسول صلى الله عليه و سلم له ، كما أنه يعلمنا أهمية الصحبة الصالحة ، و ما أحوجنا في رحلة الحياة الطويلة إلى صحبة صالحة تهون الصعاب و تشد الأزر .
و ترك الرسول صلى الله عليه و سلم عليا وراءه لأداء أمانات المشركين إلى أصحابها . و هو درس نحتاجه بحق فإن الواحد منا إذا اختلف مع مسلم مثله تحين الفرص لإحراجه و رد الصاع صاعين له ، و رسول الله آذاه الكفار و أخرجوه من موطنه لكن الحق عنده أحق أن يتبع ، مهما دارت الظروف .
و المؤمن شريف دائما مع الصديق و العدو .
و كان لأسماء و عبد الله ابني أبي بكر دور عظيم ، فكانت أسماء تحمل لهما الزاد و عبد الله يحمل أخبار قريش رغم ما في ذلك من خطر عليهما ، لكن حياة المسلم بذل دائم ، و حرص على إعلاء كلمة الله و لو كان الثمن الدم و الروح ، و دور المرأة المسلمة عظيم لا بد لها من القيام به ، و لو كان مجرد نطاق شق إلى اثنين !
و نرى كذلك أن دليل الرحلة كان مشركا . و في هذا دلالة على مشروعية الاستفادة من غير المسلمين فيما لا يؤثر على العقيدة أو يضعف الإيمان ، و الإسلام أمرنا بإحسان المعاملة حتى لمن خالفنا في العقيدة .
و العطف و الإحسان خلقان في المسلم لا يغيبان عنه في أي ظرف كان فيه . فلما وصل النبي عليه أفضل الصلاة و السلام المدينة خرج الأنصار يرحبون به فرحين بمقدمه عليهم و بينهم صغيرات من بني النجار كن ينشدن :
نحن الجوار من بني النجار يا حبذا محمد من جار
فمال إليهن صلى الله عليه و سلم قائلا : أتحببني ؟ قلن : نعم يا رسول الله ، قال : الله يعلم أن قلبي يحبكن .
هو القائد و النبي و القادم من سفر طويل متعبا مرهقا ، لكنها رقته صلى الله عليه و سلم ، و ما أحوجنا إلى مثل هذه الشمائل المحمدية ... اللهم صلي و سلم و بارك على سيدنا محمد و على آله و صحبه أجمعين
و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
مودتي
غموض