(تابع)
أماّ عن أهم الموضوعات/ المضامين التي تناولتها هذه المجموعة ، فهي تتلخص في الآتي:
(1) الدعوة للقيم السامية كالوحدة و التسامح و الإيثار ، وعدم ازراء الرموز الدينية
تُفصح هذه المجموعة عنْ اتفاق اشعب العراقي و رموزه على الوحدة و التسامح بعيداً عماّ أعلنته بعض وسائل الإعلام ، و فردتْ مساحات لوجود تناحر بين الطوائف الدينية ، وقامت بالتعتيم على العلاقات الطبيعية بين هذه الطوائف سواء الإنسانية و الجوار أو المصاهرة ، هذا فضلاً عن كونهم أبناء بلدٍ واحدٍ ، و مصابهم واحد ، و آلامهم مشتركة ، و لاخلاف بينهم ، و هل الخلاف بين هذه الطوائف في واقع الحال أشد من الخلاف بين الشرائع؟ و هل معايشة أصحاب هذه الطوائف أصعب من التعايش بين معتنقي شرائع مختلفة؟ و أليس الإسلام دين التسامح والمعاملة و قبول الآخر؟
إنّ أبناء العراق بكل طوائفهم كشفوا النقاب عن زيف الشائعات و ألاعيب ساسة التفريق الذين يريدون أن يضمنوا لأنفسهم دوراً إقليمياًّ واقتصادياًّ على حساب حضارة العراق ، و أزاهير الإبداعات ، و تفتيت الوحدة بين أبناء هذا البلد ، وكذلك إجهاض وحدة العراق مع البلاد العاملة بالتسامح الديني والصبر للنهوض بالإنسان داخل هذه البلاد
لقد آن الأوانُ أن يظهر ممثلوا الأوقاف المختلفة (سنّة ، شيعة ، .. وغيرها) في وسائل الإعلام ، وعلى منابر المساجد ، وفي حلقات الدروس بالمدارس والجامعات و الملتقيات ليُعلنوا أنهم أشقاء ، و ما اختلاف الطوائف إلاّ كاختلافٍ إداري أو نقابيّ لأبناء البلد الواحد ، و الجدير بهم التماسك ضدّ الغزاة .. يصف "حمادي" حاله في قصيدة طلعة الأسد:-
شوقٌ قطعتُ له في حرقةٍ كبدي
ورحت أكتبُ ما تملي عليَّ يدي
و بتُّ ليلي و الأنا على مضضٍ
أسامر النجمَ و الأشواق في كمدِ
و من حاله الخاص يُوجّه دعوته للعموم حتى يُبيّن أن في التماسك والصبر والعمل الجاد نجاحاً يمحو ما أثاره الاحتلال من تدمير ، كما يمحو الموج زبد البحر ، و فقاعات الهواء .. يقول:-
هذا التتار غزا بغداد ثانيةً
فضجّت الأرضُ مماّ حل بالولد
لكنّما الصبر و البأساء إن جمعا
ففيهما الموج يُخفي رغوة الزبدِ
لقد اختار شاعرنا هنا حرف الرويّ هو الـ "دال" و جعل حركته مكسورة لتناسب الكمد المخزون و الانكسار الذي يُريده الغازي التتاريّ الجديد ، وهو يُسقطُ على الاحتلال الذي قادته أمريكا في عام 2003 ، و إن كانت جيوش التتار في السابق تسترتْ –زيفاً- بالصليب ، فإنّ هذا التتار الثاني جعلها حرباً دينية ، وبِمُسمّى الحرب ضدّ الإرهاب !
و الشاعر لا تهمّه المسميات بقدر اهتمامه بالعمل والنتائج ، و أهم الأعمال العودة لله ، و غصلاح مافسد ، واستعادة القوة التي عرفتها الساحات عن الجيش الإسلامي الذي لا يحاربُ إلاّ بالحق ، ويرفض احتلال أراضيه ، و يستثمر شاعرنا شهر رمضان ليكتبَ في استقباله ، و مُذكّراً أنه شهر الانتصارات ، وتلك الانتصارات التي تُمثّلها غزوة بدر ، وعين جالوت ، وحطّين ، و ختامها حرب العاشر من رمضان على أرض سيناء المصرية ، و كانت هذه الانتصارات مع الصوم و العبادة و التوبة .. يقول في قصيدة "رمضان وافى" :-
قُمْ حييّ شهراً نورُهُ وضاّءُ
بجلاله عمّ الوجود سناءُ
و حتى يصل إلى ختام القصيدة بقوله :
رمضان فيكَ خصّ عباده
بالخير إن هم للحقيقة جاءوا
في توبةٍ و تضرّعٍ و ندامةٍ
إذْ ذاك يُسعدُ مذنبٌ خطاّءُ
و يظلّ جيش المسلمين على المدى
تخشاهُ في ساحاتها الأعداء
و في هذه الأبيات يُحسن الشاعر استهلال قصيدته وخاتمتها ، و يُعطّر القلب بنفحات الشهر الكريم ، و قدْ برع في استخدام فعل الأمر "قُمْ" في أول القصيدة ، و إلحاقه عبر الجار والمجرور بجلال الشهر ، حتى اختتم بالإشارة إلى انتصارات رمضان و قوة جيش المسلمين المُكتسبة من العمل/ قُم ، والتمسك بالتعاليم الشرعية .. ، وهل بعد ذلك قوة؟
و في ظلّ القوة يكون التسامح و الوحدة و عدم ازراء رموز الشرائع السماوية ، و منْ هذا المنطلق و حول الرسوم المسيئة للرسول الكريم "محمد" صلوات الله وسلامه عليه يردّ الشاعر محمود حمادي بقوله في قصيدة "حاشا أبا الزهراء" :-
فإلام نبغي من عدانا عزةً
والعزُّ ثوبٌ خاطه الإسلامُ
يا أيها المبعوثُ فينا رحمةً
كلت بوصفك سيدي الأحلامُ
والمدحُ الافيك يُصبحُ جثةً
تمشي على أوصالها الأقدامُ
قد خصك الله العظيم بشرعةٍ
ولَّت بها الأوثانُ والأصنامُ
و في قصيدة "العرش" يدعو إلى وحدة الصف ، ولمّ الأشلاء ، ويؤكد أنه بالإيثار و التسامح سيكون البناء على أسسٍ من الأخلاق و الإبداع .. يقول:-
فدعوا التنابز بالعيوب فإننا
قلبٌ يظلُّ لأهله توّاقا
لمّوا الصفوف و وحّدوا أشلاءكم
سنعيدُ بالإيثارِ حلو تسامحٍ
نبني به للمبدعين عراقا
و يظهرُ جلياًّ مدى تأثّر الشاعر بالموروث الديني ، و في هذه الأبيات يتأثر بقوله تعالى "و يؤثرون على أنفسهم ، ولو كان بهم خصاصة"
و بقوله تعالى " ولا تنابزوا بالألقاب"
و في دعوته لصلاح مجتمعه كله و تشبيهه للمجتمع بأنه قلبٌ يتأثر بالحديث الشريف "ألا في الجسد مضغة ، إذا صلحتْ صلح الجسدُ كلّه ، وإذا فسدتْ فسد الجسد كله ، ألاَ و هي القلب"
(2) شعر الإخوانيات وطرْح القضية الوطنية على مختلف الأغراض
اعتاد الشاعر محمود فرحان حمادي ، و كما تُفصح قصائد مجموعتة الشعرية "حروف الجب" على مشاركة إخوانه و محبيه فيما يمرّ به و يعاني منْ جرّاء سقوط بلاده تحت سيطرة الاحتلال الغاشم ، و يأمل في بثِّ إخوانه مايلقاه أنْ يجد منهم العون و المساعدة للتخلص من هذا الاحتلال الغاشم ، وكذلك يأمل في طرح قضية بلاده على المجتمع الإنساني و كلّ المعنيين بالحقوق والمواثيق الدولية ، و فوق كل ذلك إيماناً و عملاً بالحديث الشريف "ترى المؤمنين في توادّهم وتراحمهم كثل الجسد الواحد .. إذا اشتكى منه عضو تدَاعى له سائر الجسدِ بالسهر والحمّى" ، وكما يطلبُ الشاعر من إخوةِ الإنسانية الوقوف بجانبه ، فهو أيضاً يقف بجانبهم عند الأزمات .. ، فها هو يقفُ مؤازراً أخيه الشاعر د.سمير العمري ، ويهديه قصيدته "دعاء القلب" التي
يستهلّهاُ الشاعر محمود فرحان حمادي بالدعاء له ، ثم يؤكد على مكانة د.العمري الشعرية .. يقول حمادي:-
سألتُ الله أن يُبقيك ذُخرا
و أن يسقي عداكَ السمَّ مُراَّ
سألتُ الله أن يُبقيك فينا
فنسمع منكَ آداباً وشعرا
و في البيت الثاني يُكرّر -توكيداً- أنه يسألُ الله عزّ وجل نصرة أخيه وبقائه ، مماّ يُبيّن مدى إخلاص شاعرنا في نصرة أخيه .. ، ويؤكّد على الإتيان بلفظة "شعرا" رغم أن الشعر ضمن الآداب ، و لفظة الآداب ذُكرت قبلها ، ولكن شاعرنا أراد أن يُظهر الشعر مُستقلاًّ تكريماً لكوْنِ صديقه الشاعر في الأصل !
و في قصيدة يُهديها "محمود حماّدي" إلى صديقه الشاعر ماجد الغامدي بعنوان "عذرية النطق" يقول حماّدي :-
دَعْني أَبُثُّكَ ما نَلْقاهُ مِنْ عَنَتٍ
وَمِنْ ضَياعٍ، وَمِنْ ذُلٍّ، وَإِلْحادِ
نَحْنُ الضَّحيَّةُ والجَلادُ أَرَّقَنا
ما أَقْبَحَ العيْشَ في أَحْضانِ جلادِ
سَبْعٌ عِجافٌ شَرِبْنا مِنْ مَرارَتِها
ذُلاً تَجاذَبّنا في لَيْلِها الصّادي
هذي بِشارَةُ خيْرٍ مِنْ مَحَبَّتِكُمْ
وافَتْ مُهَفْهَفَةً في خيْرِ أَبْرادِ
عُذْريَّةَ النُّطْقِ مِنْ أَمْجادِ دَوْحَتِكُمْ
تَزْهو رُؤاها بِأَحْلامِ ابنِ عبَّادِ
و ينتظر دوماً من الإخوةِ مؤازرته في هذه القضية القومية/ قضية تحرير العراق
يستهلُّ قصيدة "أخا الندى" بقوله:-
أترقبُ الكلمات على أفواهكم
لأصوغ منها بلسماً لجراحي
و يظلُّ يبثّ الأصدقاء ما يعانيه ، و يستخدم كلمة "أشكو" أيضاً بمعنى "أبثُّ" في قوله:
فأبيتُ أشكو الطالعاتِ لواعجي
بمتاهةٍ بعدتْ عن الأفراحِ
و تُبين نبضات هذه القصيدة حنينه للأحبة والوطن ، ويُبدي الشاعر شوقه للفرات و أيام الصبا!
(يتبع)