لقد باتت دول العالم تجاهر بعدائها للإسلام والمسلمين، ونخص بالذكر العداء المستفحل للإسلام من قبل الدول الغربية الكافرة المستعمرة، لقد وظفوا عداءهم المستحكم من خلال الحملات الصليبية تارة ومن خلال حملات المستشرقين والأساليب السياسية والاقتصادية والفكرية والاجتماعية تارة أخرى، ثم من خلال شراء العملاء الخونة ممن ينتسبون إلى الإسلام وهو منهم براء.
لقد صرح وزير الخارجية البريطاني (اللورد كرزون) عندما احتج عليه بعض النواب بعنف، واستغربوا كيف اعترف باستقلال الجمهورية التركية التي بنيت على أنقاض دولة الخلافة العثمانية، أجابهم قائلاً: "لقد قضينا على تركيا، التي لن تقوم لها قائمة بعد اليوم.. لأننا قضينا على قوتها المتمثلة في أمرين: الإسلام والخلافة" .
لقد أدرك المسلمون آلام وأوجاع القضاء على الخلافة عندما وجدوا أنفسهم يبكون على مصابهم وجروحهم التي لا تلتئم، حين مزقت أراضيهم وبعثروا في عشرات الدويلات الهزيلة واحتلت أراضيهم ونهبت ثرواتهم وقتل أولادهم وعُيِّن على رؤوسهم رويبضات عملاء يأتمرون بأوامر الكفار وحوصروا بالحزن والمصاب، وقيدت أيديهم بالأصفاد، لكنهم وللأسف أدركوا عظم الأمر بعد فوات الأوان. لقد تم فصل الحكام والجيوش والقوانين والاقتصاد والمجتمع والحياة والأمن ووجهة النظر وطريقة التفكير والعمل والتعليم والصحة وحتى وجودهم، تم فصل كل ذلك عن الإسلام، وتُركوا للضياع والدمار والشتات. لقد تم تجريدهم من كل ما يمكنه أن يعيد لهم سابق مجدهم وعزتهم، وتركوا مجردين بلا حل ولا أمل ولا أمن ولا جُنَّة ولا وقاء.
إن تأثير الظلمات التي توالت على الأمة نتيجة لغياب الخلافة، لم تكن محصورة على المسلمين بل تأثيرها وصل للمجتمعات المظلومة في جنوب أميركا وشرق أوروبا وشرق وجنوب شرق أسيا، فتلك المجتمعات أصبحت معرضة للذل والانحطاط والجوع والفقر والمجازر والقتل وحرموا من رسالة ونور الإسلام العالمية، التي تحمل في طياتها العدل والرحمة، فأصبح الكفار سداً منيعاً لوصول الخير والهداية لهم.
«بَدَأَ الإسْـلامُ غَرِيبًا ثُمَّ يَعُودُ غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ. قِيلَ: يَا رَسُـولَ اللَّهِ، وَمَنِ الْغُـرَبَاءُ؟ قَالَ: الَّذِينَ يُصْلِحُونَ إِذَا فَسَدَ النَّاسُ»
لقد بدأت أعداد غفيرة من خيرة المسلمين بالتحرك لإقامة دولة الخلافة الراشدة الثانية، مبتغين بذلك إعزاز دين الله عاملين لإعادة عزة واعتبار الأمة الإسلامية السابقة التي سلبت منها، لا يرجون من ذلك إلا نيل مرضاة الله سبحانه وانطباق حديث رسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم المبارك عليهم. والمسلمون بعامتهم باتوا يتشوقون ويتوقون للخلافة من جديد. فبعد المصائب والبلايا العظام التي وقعت بها الأمة، أدركت أن دولة الخلافة التي ستستأنف الحياة الإسلامية التي يرضى الله عنها، والتي ستنتقم لهم من الكفار وعملائهم هي المنقذ الوحيد للظلمات التي تتخبط بها. لقد باتت أنظار الأمة متوجهة يملؤها الشوق والأمل للَّحظة التي ستقام بها الخلافة. ففي موسم الحج لهذا العام حيث التقى مئات الآلاف من المسلمين من كافة أصقاع الأرض في الأرض المقدسة لإقامة فريضة الحج، هناك سمعوا نداءات الخلافة وأظهروا تأييدهم المملوء بالأمل والشوق، وكبروا وهللوا معلنين بذلك أنهم على درب سلفهم الصالح أنصاراً وأعواناً للخلافة.
إن الكفار وعملاءهم لم يغفلوا عن صحوة الأمة هذه، فأعداد كبيرة من رجالات السياسة الأميركان والأوروبيين توجهوا في الآونة الأخيرة لعملائهم في البلاد الإسلامية مُملِين عليهم تعليماتهم وأوامرهم، فقد أمروهم بالحد من ظاهرة العداء المنتشرة في أوساط المسلمين ضد الغرب، وأمروهم باعتقال وتكميم الأفواه المنادية لإقامة الخلافة وإلصاق الافتراءات والتهم الباطلة بهم، ولم يكتفوا بذلك بل قاموا بإجراء تصريحات ووزعوا تقارير تتمحور حول الإجراءات الوقائية التي يجب اتخاذها تجاه ذلك ونبهوا غيرهم من الخطر القادم.
عندما هدمت الخلافة قبل واحد وثمانين عاماً كنتم تذرفون دمع الحزن والعجز عن حمايتها. وبعد أن هُدمت ما انفككتم تتألمون وتبكون بسبب البلايا والمصائب التي تنـزل بكم نتيجة لغياب الخلافة التي تذود عنكم. لقد أصبحتم في وضع يرثى له بوقوفكم عاجزين أمام المجازر التي ترتكب ضد إخواننا واغتصاب أخواتنا في العراق وأفغانستان وفلسطين وكشمير والشيشان والبلقان والسودان وأوزبكستان. وما انفككتم تغضبون على بيع أراضينا وثرواتنا وتوقيع المعاهدات الظالمة مع الكفار الملطخة أيديهم بدمائنا في كثير من بلاد المسلمين. لقد أدركتم حقيقة حكامكم الذين يخدرونكم بوعودهم الكاذبة والانتخابات الزائفة، وأدركتم حقيقة أن ما يدعونه من بناء وعمار ما هو إلا هدم وخراب، وأدركتم حقيقة نشرهم للرذيلة والفحش بين نساء وشباب الأمة التي أدت إلى تفسخ العائلة وضياع الأطفال وتسولهم في الشوارع، وأدركتم أن هؤلاء الحكام لا يوفرون لنا حتى الحاجات الأساسية.
لقد أدركتم كل ذلك، ولكن زمن البكاء قد مضى، ولم يعد الحال يطيق السكون والتفرج، فقد آن أوان رفع الهمم وشد العزائم وتكتيل القوى وتركيز العمل الجاد والتسابق في الخيرات وتنسيق الجهود لتكون ضربتنا هي الأشد. ولتعلموا أن الخوف والرعب قد نفذ إلى قلوب الكفار وأُسْقِطَ بأيديهم،
بحمد الله وفضله، فقد وصلت الأمة الإسلامية لحال سمعت ورأت وأدركت وتبنَّت فيه أن الخلافة هي فرض قطعي فرضه الله سبحانه وتعالى، وأن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد بنى دولة الإسلام الأولى في المدينة بطريقة واضحة جلية واجبة الاتباع لإقامة دولة الخلافة الراشدة الثانية، وأن دولة الخلافة الواجبة الإقامة هي درع المسلمين الواقي التي لا أمن ولا عز لهم إلا بها، وأن الخلافة قد هُدمت نتيجة لتآمر وكيد الكفار أعداء الإسلام والمسلمين، وأن سبب المصائب والبلايا التي لحقت بالأمة ناتجة عن الحكام الخونة أصدقاء أسيادهم الكفار. ووصل الحال بالأمة أن أدركت أن الحل الجذري لكل ذلك يكمن بإقامة الخلافة من جديد، وأن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد بشرها بعودة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، وأن الوقت الذي نعيشه الآن قد ظهرت فيه في معظم بلاد المسلمين مبشرات قيام الخلافة. بإذن الله وعونه إن قيام دولة الخلافة الراشدة الثانية بات قاب قوسين أو أدنى، وعندما يأتي ذلك اليوم الذي تقوم فيه دولة الخلافة الراشدة سيظهر ويتجسد للعيان قول الله عز وجل:
[فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُواْ فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ]
وسيصبح، بإذن الله، ماثلاً للعيان، يصيح به اللسان، قوله تعالى:
[وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً]
وبلا شك فستنتقم دولة الخلافة للمظلومين من الظلمة وبالأخص المسلمين الذي يرزحون تحت حراب الكفار من صليبيين ويهود. وفي ذلك اليوم فسيتحقق وعد الله سبحانه وتعالى:
[وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِيـنَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا]
وستظهر للعالمين صحة وحقيقة بشرى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم التي بشرنا بها:
«... ثم تكون خلافة على منهاج النبوة»
==========
منقول